|
إعداد - وحدة التقارير الاقتصادية بـ«الجزيرة»:
لا يزال هناك جدلٌ واسعٌ بالمجتمع المحلي حول دواعي التنبؤات السلبية التي صدرت عن صندوق النقد الدَّوْلي عن المملكة، سواء بتوقعه تراجع معدَّلات نموٍّ GDP لتصل إلى 4.4 في المئة عن عام 2013م، ثمَّ إطلاق صفارات الإنذار حول تزايد معدلات التضخَّم بالمملكة.. والكثيرون يتساءلون: هل هذه التنبؤات هي نتائج لدراسات وتحليلات علميَّة أم هي عبارة عن رؤى وتوجُّهات يَرَى القائمون عليها أن اقتصاديات دول مجلس التعاون لا تزال بدائية وتحتاج للنُّضج حتَّى يتولون الوصاية عليها؟
في مقارنة بسيطة لبعض العناوين الرئيسة لتقارير صندوق النقد الدَّوْلي حول دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2013م، والدول الصناعيَّة المتقدِّمة سنجدها على سبيل المثال لدول الخليج: انخفاض معدَّلات نموٍّ الناتج النفطي، حدوث انخفاض كبير ومستمر في أسعار النفط يشكِّل خطرًا رئيسًا، ارتفاعات الأجور تضعف أوضاع الماليَّة العامَّة، تقييد الإنفاق يعزِّز الصلابة، فوائض الحساب الجاري حساسة لتقلب أسعار النفط، تطورات التضخَّم متفاوتة، صندوق النقد الدَّوْلي يحذر دول الخليج من ارتفاع معدلات البطالة، انتقال التداعيات الماليَّة إلى بلدان Mena المصدرة للنفط، سوق الغاز الطّبيعي إلى أين؟ «معظمها عناوين سلبية ومثيرة للخوف والقلق، بل إنّها تثير حذّرًا بأنّه إذا كان الواقع أفضل فإنَّ كل الخوف من المستقبل.
وفيما يخص الدول الصناعيَّة المتقدِّمة تستخدم تقارير الصندوق صيغًا إيجابيَّة منها على سبيل المثال: غير أن التوقعات تشير إلى حدوث هذا التحسُّن على نحو أكثر تدرجًا مما ورد في عدد أكتوبر 2012 من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، فقد أدَّت إجراءات السياسة المتخذة في منطقة اليورو والولايات المتحدة إلى تراجع مخاطر الأزمة الحادَّة، تشير التنبؤات إلى أن متوسِّط النمو في الولايات المتحدة سيبلغ 2 في المئة في عام 2013، مع ارتفاعه إلى مستوى أعلى من الاتجاه العام في النصف الثاني من 2013 ولا يوجد تغير بِشَكلٍّ عام في هذه التنبؤات عن الوارد في عدد أكتوبر 2012 من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، حيث تظل الظروف الاقتصاديَّة الأساسيَّة على المسار الصحيح، وفي حالة منطقة اليورو تَمَّ تخفيض التوقعات السابقة عن آفاق المدى القريب، بالرغم من أن التقدم في عملية التصحيح على المستوى الوطني وقوة التحرُّك على مستوى السياسات، الذي تَمَّ على مستوى الاتحاد الأوروبي تجاه أزمة منطقة اليورو قد أديا إلى تخفيض المخاطر المتطرفة وتحسين الأوضاع الماليَّة للكيانات السيادية في بلدان الهامش. مما سبق يتَّضح أن جميع الصِّيغ توقعات إيجابيَّة أو تفاؤلية أو ترى أن المستقبل أفضل.
افتقاد منطق الحياد في تنبؤات الصندوق
العناوين المذكورة أعلاه تُوضِّح بما لا يدع مجالاً للشكِّ عدم حيادية التحليلات التي يقوم بها الصندوق، فالتقارير تتَّصف بنوع من الإدارة الخلفية والتوجيه، وهذا التَّوجيه حتَّى لو افترضنا حسن النيّة فيه، وأيضًا لو افترضنا أنّه لصالح تعزيز معطيات النمو الاقتصادي في دول مجلس التعاون، فإنّه يتسبب في نوع من البلبلة في أسواق المال والاستثمار في اقتصاديات الخليج ككل، لأن هذه المحاذير التي يطلقها الصندوق في شكل تنبؤات، يأخذ بها كثير من الأطراف كتوقعات معتمدة وذات مصداقية، وبالتالي فإنّها تتسبب في خسائر حقيقية لدول مجلس التعاون. ولنعطي مثالاً في كيفية تعامل صندوق النقد مع توصيف التوسُّع النقدي والمالي، حيث إنه يصف التوسُّع النقدي والمالي في منطقة اليورو بأنّه نوع من الانتعاش ونشر بوادر التحسُّن الاقتصادي، الذي يُحفِّز التوظيف والدخل.. على النقيض، فإنَّ صندوق النقد الدَّوْلي دائمًا ما يصف التوسُّع النقدي والمالي في دول مجلس التعاون بأنَّه ميول تضخمية، سوف يكون لها تداعيات خطيرة على اقتصادياتها حاليًا ومستقبلاً.. أنّه نفس العنصر الاقتصادي، إلا أنَّه يتم توصيفه بطريقتين مختلفتين تمامًا.
المبالغة في التهويل من تراجع أسعار النفط
تُعدُّ تراجعات أسعار النفط هي ورقة التوت التي يستخدمها الصندوق في كلِّ إسقاطاته على دول الخليج، حتَّى باتت ورقة مكررة، بلا طعم أو لون.. نعم بالفعل أسعار النفط يمكن أن تتراجع في أيِّ وقت، ولكن هي في الحقِّيقة أصبحت الآن مثلها مثل أسواق المال والذَّهب والعملات، قابلة للتغيير، ولكن حدود هذه التغييرات لم تعد مخيفة كما كانت في الماضي.. إلا أن الصندوق يبالغ من درجة حدوثها ويسعى لإطلاق صفارات إنذار متكرِّرة وبِشَكلٍّ غير منطقي من حدوث التغيّر في أسعار النفط، بالرغم من أن التاريخ يثبت أن الاقتصاد العالمي فشل في الاستغناء عن النفط أو إيجاد بدائل كاملة له.
مطالب بشراكة حقيقية لدول الخليج في بناء توجهات صندوق النقد الدولي
تسهم دول مجلس التعاون بحصص مهمة في صندوق النقد الدولي، بل إن المملكة تُعدُّ ضمن الثمانية الكبار من حيث أعلى الدول المشاركة في حصص الصندوق، ومِنْ ثمَّ فإنّها مؤهلة للقيام بدور أكبر في الإدارة والتَّخْطِيط وبناء التوجُّهات داخل صندوق النقد..
وجدير بالذكر أن الصندوق يتعامل مع منطق تقسيم الدول إلى دول داعمة للصندوق ودول متلقية لإعانات أو قروض الصندوق، وإذا كان مبدأ الحذر وإثارة المخاوف من الأوضاع الاقتصاديَّة حول الدول التي يقرضها الصندوق مقبولة، فإنّه من غير المقبول أن يعمد الصندوق على الدوام إلى إثارة المخاطر وإطلاق إشارات التحذير للدول الداعمة، مثل دول مجلس التعاون.. إن الصندوق يحتاج إلى تغيير فلسفته تجاه دول مجلس التعاون بِشَكلٍّ جذريٍّ.