|
الجزيرة - المحليات:
أكَّد معالي مستشار خادم الحرمين الشريفين، الأمين العام لمركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثّقافات الأستاذ فيصل بن عبد الرحمن بن معمر أن الاختلاف بين الدول والشُّعوب وتمايزها في المعتقد والثَّقافة يقتضي التعارف والتَّعايش والتعاون على كلٍّ ما يحقِّق مصالحها ويسهم في حلِّ مشكلاتها في ضوء القيم المشتركة وفضائل الأخلاق.
جاء ذلك خلال الكلمة التي ألقاها معالي الأستاذ فيصل بن معمر في مستهل رئاسته للجلسة الأولى لبرنامج جلسات الندوة الدوليَّة الثانية لمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين أتباع الأديان والثّقافات التي أقامتها الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بالتعاون مع الجامعة الإسلامية العالميَّة في إندونسيا يوم الثلاثاء 25 رجب 1434هـ الموافق 4 يونيو 2013 بالعاصمة الإندونيسية «جاكرتا».
وعبّر معالي الأستاذ ابن معمر في بداية كلمته عن شكره لقيادات الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة والجامعة الإسلامية العالميَّة في إندونسيا على إقامة الندوة تعريفًا بمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز التاريخية للحوار بين أتباع الأديان والثّقافات التي تشكّل منطلقًا لترسيخ دعوة التَّعايش بين كافة الدول والشُّعوب وتعزيز المشترك بين مختلف أتباع الأديان السماوية والفلسفات الوضعية من منظور الإخوة الإنسانيَّة والاحترام المتبادل.
واستعرض معالي الأستاذ ابن معمر خلال الكلمة - دور المملكة العربيَّة السعوديَّة مهد الإسلام وقبلة أكثر من مليار وستمائة مليون مسلم التي يقصدها سنويًّا أكثر من 13 مليونًا من الحُجَّاج والمعتمرين والزوار لتكون أكبر تجمع للسلام والمَحَبَّة في العالم وجهود المملكة العربيَّة السعوديَّة في مد جسور التعاون لتحقيق السَّلام العالمي التي توّجت بمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين أتباع الأديان والثّقافات التي حظيت بتأييد دولي كبير كان له أطيب الأثَّر في مأسسة هذه المبادرة التاريخية عبر تدشين مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثّقافات في فيينا كأول مؤسسة عالميَّة مستقلة تُعْنى بمد جسور الحوار بين أتباع الأديان والثّقافات سعيًا لإرساء قيم العدل والإسلام والتعاون بين الزعامات والقيادات الدينيَّة فيما ينفع الإنسانيَّة.
وقال معالي الأستاذ ابن معمر أن الحوار كمبدأ إنساني من شأنه تحقيق الأهداف المنشودة في التَّعايش والتَّفاهم والاحترام، ومن منطلق الإيمان بالتشريع الإلهي الذي يجمع ولا يفرق- عبر خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- وما يزال في كلِّ مناسبة عن إيمانه العميق بأهمية أن يسود السَّلام كل مناطق النزاع وأن يَتمَّ معالجة كافة المشكلات بالحوار الذي يرسخ المبادئ المشتركة بين الأمم والحضارات المختلفة ويسعى إلى تعزيز التَّعايش والتَّفاهم وإشاعة القيم الإنسانيَّة كمدخل لإحلال الوئام محل الصدام ونزع فتيل النزاعات والمساهمة في تحقيق الأمن والسَّلام العالميين - جاءت دعوة خادم الحرمين الشريفين - الملك عبد الله بن عبد العزيز لعقد المؤتمر العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثّقافات الذي كان الانطلاقة الأولى للمبادرة، ثم في إسبانيا التي عاشت تجربة التَّعايش بين المسلمين وغيرهم في حضارة وتراث ظلَّ على مدى أكثر من 7 قرون.
وقال معالي الأستاذ ابن معمر أن المبادرة جاءت في وقتها المناسب كرد حضاري وإنساني على دعاوى الصراع والصدام والحملات العدائية الضارية على الإسلام والمسلمين واتهامهم بالإرهاب والتطرف وفي الجانب الآخر تطاول على الأنبياء والرسل والمقدسات، وإتساع خطر الدعوات إلى الكراهية والاقصاء، مؤكدًا أن المبادرة تجمع مراحل خطوة تاريخية لقيادة حركة التَّعايش وترسيخ الاعتدال بين أتباع الأديان والثّقافات المختلفة.
واستطرد معالي الأستاذ ابن معمر أن المناداة بجعل الحوار طريقًا لعلاقات إنسانيَّة بين كل دول العالِمَ لا تُؤكِّد عليه فقط السياسات والمصالح وإنما الأديان والأعراف الأخلاقية وأن ما طرحه خادم الحرمين الشريفين في مبادرته للحوار بين أتباع الأديان والثّقافات ينتصر للعقل على إثارة الحروب التي لم تستطع أبدًا أن تكون بديلاً موضوعيًا في حلقات الصراع التاريخية، مشيرًا إلى أن المبادرة بهذا المفهوم الإنساني - توجه سعودي مميز نحو الحوار مع الذات والآخر المسلم وغير المسلم عالميًا، تأكيدًا على أن التَّعايش إنما يعتمد على المشتركات الإنسانيَّة - خاصة الإيمان بالله والقيم الإنسانيَّة والمبادئ الأخلاقية التي تمثِّل جوهر الدين تحقيقًا للعدل والأمن والاحترام وعدم التمييز واحترامًا لحقوق الإنسان وحرياته الأساسيَّة وصيانة للأسرة ومكافحة للتطرف والكراهية.
وأشار معالي الأستاذ ابن معمر إلى أن تأسيس مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثّقافات في فيينا كمؤسسة دوليَّة مشتركة بين المملكة العربيَّة السعوديَّة والنمسا وإسبانيا وبمشاركة الفاتيكان يمثِّل ترجمة لهذه المبادرة العالميَّة للحوار.
وعرض معالي الأستاذ ابن معمر لمسيرة المبادرة منذ انطلاقها في القمَّة الإسلامية الاستثنائية في مكَّة المُكرَّمة في ديسمبر عام 2005م وجهود خادم الحرمين الشريفين في تفعيلها وتحقيق أهدافها ومنها زيارته - حفظه الله- للفاتيكان عام 2007م وعقد مؤتمر الحوار بين علماء الإسلام على اختلاف مذاهبهم في مكَّة المُكرَّمة عام 2008م بحضور أكثر من 500 عالم وبإشراف رابطة العالم الإسلامي ورعايته الكريمة لأعمال المؤتمر العالمي للحوار الذي عقد بالعاصمة مدريد في عام 2008م بمشاركة قيادات من مختلف أتباع الأديان والثّقافات بحضور أكثر من 300 شخصيَّة عالميَّة وتوّجت هذه الجهود بدعوته -حفظه الله- لقادة العالم في الاجتماع العالمي للسلام بالجمعية العامَّة للأمم المتحدة الذي عقد في نيويورك في ديسمبر من عام 2008م تمهيدًا لتأسيس الحوار العالمي بين أتباع الأديان والثقافات.
واستعرض معالي الأستاذ ابن معمر الخطوات العملية لتأسيس مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثّقافات التي بدأت بتوقيع اتفاقية بين المملكة العربيَّة السعوديَّة والنمسا وإسبانيا على تأسيس المركز، بحضور وزراء خارجية الدول الثلاثة ورئيس المجلس البابوي للحوار بين أتباع الأديان في الفاتيكان وممثلي الجماعات الدينيَّة في أوروبا.
وقدم معالي الأستاذ ابن معمر نبذة عن أهداف المركز في تعزيز الحوار بين أتباع الأديان والثّقافات والتصدّي لسوء استخدام الدين لتسويغ الاضطهاد والعنف والصراع والسعي لتفاهم مشترك أفضل حيال المحافظة على قدسية المواقع الدينيَّة بما في ذلك الرموز الدينية، ومعالجة التحدِّيات المعاصرة التي تواجه المجتمع وخصوصًا المتعلّق بالكرامة الإنسانيَّة والبيئة والتَّربية الدينيَّة والأخلاقية والحد من الفقر.
وأوضح معالي الأستاذ ابن معمر أن المركز بدأ فور تدشينه في احتفال عالمي أقيم في نوفمبر عام 2012م بمقره في فيينا بمشاركة الدول المؤسسة المملكة وإسبانيا والنمسا بمشاركة الفاتيكان كعضو مراقب وبحضور أكثر من 850 من الشخصيات العالميَّة في تنفيذ عدد من المبادرات لدعم ثقافة التواصل والتعاون والتَّعايش وتصحيح الأفكار والصُّور الذهنية المغلوطة التي سادت بين أتباع الأديان الأخرى منها مبادرة تحالف القيادات الدينيَّة لحماية الأسرة والأطفال ومبادرة الزمالة التي تهدف إلى إنشاء جيل من القادة الدينين الشباب المؤمنين بالحوار، ومبادرة صورة الآخر لاستبدال المفاهيم الخاطئة واللا موضوعية وممارسات التنميط المنتشرة بين أتباع الأديان والثّقافات بنظرة أكثر موضوعية ومصداقية وفق إستراتيجيَّة مستقبلية تستند إلى ثلاثة محاور هي احترام الاختلاف من خلال الحوار وتأسيس قواسم مشتركة بين مختلف الجماعات وتحقيق المشاركة الدينيَّة والحضارية والمدنية بين القيادات الدينيَّة والسياسيَّة.
واختتم معالي الأستاذ فيصل بن معمر كلمته بالإشارة إلى أن المبادرة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الأديان والثّقافات انتقلت لتكون مشروعًا عالميًّا للحوار يتَضمَّن برامج عملية ترعاها مؤسسات محليَّة وعالميَّة، وأن المبادرة تجاوزت مراحلها وخطواتها من النظرية إلى التطبيق وتجاوزت المحليَّة إلى العالميَّة وأصبح مشروع خادم الحرمين الشريفين للحوار إلى مشروع حياة يضع بصمته في التاريخ البشري القادم.