اطلعت على تقرير المنظمة الدولية للشفافية وأسفت على وضع المملكة في مرتبة متأخرة في التصنيف العالمي ! وقد أرجعت هيئة مكافحة الفساد بالمملكة ذلك التصنيف بنقص المعلومات لديها، وهو ما جعل رئيس الهيئة (نزاهة) الأستاذ محمد الشريف يشدد على ضرورة دعم الجهات الحكومية بوحدات المراجعة الداخلية كجزء من المنظومة الإدارية، والتأكيد على أداء دورها الذي ينبغي ألا يقتصر على المراجعة المالية وإنما يتجاوزه إلى تحقيق أهدافها المتعددة، بحسب ما جاء في ندوة (دور المراجع الداخلي في حماية النزاهة ومكافحة الفساد) المنعقدة مؤخرا في الرياض.

أندهش حقا من تفشي الفساد في بعض الإدارات الحكومية والمؤسسات والشركات الخاصة برغم أن المجتمع بطابعه متدين ! بل ويلاحظ شيوع الطابع الديني بتعاملاته ومعاملاته، وتحرز أفراده من الولوج في المعاملات الربوية، وتشددهم بعمل المرأة في المحلات التجارية سواء على آلات المحاسبة أو بيع المستلزمات الخاصة بها، ناهيك عن مسائل الحجاب ولون عباءة المرأة وتصلبهم في لبسها الأسود وحسب ! بينما لازالت هيئة مكافحة الفساد تكشف عن هبوط في أداء الأمانة الوظيفية وسرقة مناقصات والتلاعب فيها من أشخاص تبدو عليهم المظاهر الدينية دون حقيقتها ! مما يشعر المتعامل معهم بالسمت والوقار، وما نلبث إلا قليلا حتى تظهر التحقيقات وتكشف التحريات ولوغ بعضهم في الفساد !!

ولست أدري هل السبب هو تمكن الطمع من النفوس أو التهاون بالتحقق من مصدر الأموال بحلالها من حرامها ؟! أو الاستخفاف بالمراقبة الحكومية في غياب تام للوازع الديني الذي يجب أن يبعده عن الحرام.

ولئن كانت المراجعة الداخلية في ذات الإدارة ضرورة تحتمها المصلحة وتدعو لها؛ فإن استقلاليتها عن الإدارة أكثر أهمية، مع الأخذ بالاعتبار تعيين القوي الأمين وعدم الاقتصار على من تبدو عليهم مظاهر التدين فحسب ! لأن تلك المظاهر قد تكون غطاء أو قناعا ! وجلبت النفوس على الطمع مالم يكن هناك خشية من الله أو رادع من ضمير أو خوف من سلطان !

وإني لآمل أن تكون النزاهة ثقافة اجتماعية يغذيها ضمير يقظ وتدعمها تقوى من الله ويؤازرها فكر اجتماعي يمقت الفساد ويرفضه ويحاربه، ودون ذلك؛ لن تكفي جيوش من المراقبين والراصدين وحشود من المشرفين والمحققين. فكلما أوجدت طريقة لمكافحة الفساد فُتحت أبواب واسعة من الأساليب والطرق الملتوية.

ولن يستقيم لنا أمر حتى نبدأ بتدريب الأجيال القادمة على مقت الفساد والقضاء عليه وتأصيل حب الوطن، لينعم الجميع بوطن نظيف تتساوى فيه الفرص بين كل مواطنيه.

وحين يتم ذلك؛ سنجتث جذور الفساد، لتبقى عروق الوطن وشرايينه تنبض بالنزاهة والنقاء!