حسنا، كان تفاعل سماحة المفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، مع رجوع فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي إلى موقف كبار علماء المملكة، الذي كان واضحاً من حزب الله الطائفي المقيت منذ تأسيسه. فقد كان هذا التفاعل مبنيا على انتقاء الأسلوب الأمثل في الظرف والحدث الحاصلين بميزان الشرع، باعتبار أن منزلة العالم إنما نالها بما قام فيه من العلم بالله، والعلم عن الله. ومع هذا، فالبشر هم البشر في الوقوع في دائرة الخطأ، التي يجب الرجوع عنها، سواء في الفتيا، أو التأليف، أو غير ذلك. الأمر الذي جعل من ثناء سماحة المفتي، وتقديره للشيخ القرضاوي، الأثر العظيم في تحقيق السنة الماضية التي حض عليها النبي صلى الله عليه وسلم -، ودرج عليها سلف هذه الأمة.
تصحيح الخطأ وحي رباني، ومنهج قرآني. وإدراك المنهج النبوي في التعامل مع من رجع عن خطئه، أدعى لاستجابة الناس، بشرط ألا تهدر مكانته، بل ينتقد بأدب، واحترام، دون تعالي، ولا تشفي، أو السعي لنيل استحسان المخلوقين. فالعالم وإن جانب الصواب باجتهاده في بعض المسائل، إلا أن سلامة أصوله في الاستدلال، والتقعيد، كفيلان في رجوعه إلى الحق يوما ما.
إن الرجوع إلى الحق فضيلة، ومعالجة الخطأ من النصيحة في الدين، ويضع الأمور في إطارها الصحيح. فالنفس البشرية قد تتأثر بعوارض الجهل، والغفلة، وقد تنشأ الأخطاء من خلل في التصورات ؛ ليكون العالم في هذا كغيره من البشر، أي : معرض للخطأ، والوهم، والنسيان. ومع هذا فهو حري إن بان له الحق أن يرجع إليه ؛ لينجو بنفسه، وبالأتباع من بعده.
جماع القول: إن تراجع فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي عن رأيه، كان أسلم لدينه، وعلمه، ورجوع إلى الحق المبني على الدليل الشرعي حين اقترنت بالبينة الصحيحة، فكانت صادرة عن علم، وواقع. ثم إن التغيير الحاصل في موقف فضيلته، دليل على إظهار اعترافه، ورجوعه عما حصل منه. وهذا يجعلنا نؤكد، على: أن زلة العالم، ليس في كونها خطأ من مجتهد، وإنما فيما يترتب عليها من عمل الأتباع، والمقلدين من بعده، وهو ما ذكره الإمام ابن القيم رحمه الله -، حين قال: «ومن المعلوم، أن المَخُوفَ في زلة العالم تقليده فيها، إذ لولا التقليد، لم يُخَف من زلة العالم على غيره. فإذا عَرَف أنها زلة، لم يجز له أن يتبعه فيها باتفاق المسلمين، فإنه اتباع للخطأ على عمد، ومن لم يعرف أنها زلة، فهو أعذر منه، وكلاهما مفرط فيما أمر به».
drsasq@gmail.comباحث في السياسة الشرعية