إذا فقدت الوسيلة الإعلامية «حياديتها» فإنها تفقد «مصداقيتها» أمام المتلقي، وإذا فقدت مصداقيتها سينصرف عنها ذلك المتلقي إلى وسيلة إعلامية أخرى أكثر حيادية. فالمتلقي في زمننا الحاضر، سواء كان قارئاً أو مستمعاً أو مشاهداً، لن يجد صعوبة كبيرة في العثور على وسيلة إعلامية تقدم له طرحاً مقنعاً يحترم عقله.
ما لم تدركه بعض الوسائل الإعلامية حتى الآن، على ما يبدو، هو أن الآفاق أصبحت مفتوحة تماماً أمام المتلقي، فهو يستطيع بـ»الريموت كونترول» الصغير الذي يمسك به بيده وهو مسترخٍ على فراشه أن يبحر عبر محيط بلا نهاية من المحطات التلفزيوينة الفضائية التي تقدم له أطباقاً منوعة من المادة الإعلامية، وما عليه سوى اختيار ما يلائمه.
وما لم تدركه بعض تلك الوسائل حتى الآن هو أن القارئ يستطيع أن يصل إلى كل صحف العالم خلال ثوان قليلة من خلال هاتفه الذكي، فيقرأ ما يعجبه منها وهو في بيته حتى دون أن يخرج إلى محل البقالة المجاور ليشتري منه الجريدة كما كان يفعل منذ أن تعلم قراءة الصحف.
أما المذياع، وهو وسيلة إعلامية لا يقدرها حق قدرها إلا فئة من الناس ترفض أن تنقرض أمام زحف ومنافسة الوسائل الإعلامية الأخرى الجديدة، فلم يعد من هموم عشاقه أن ينقطع البث أو يتداخل مع بث إذاعات أخرى كما في السابق، لأنه صار بوسعه أن يتلقى البث صافياً رائقاً بفضل التقنيات الجديدة.
ومن لا تستهويه وسائل الإعلام التقليدية فهو يستطيع أن يتابع تطورات الأحداث لحظة بلحظة، وأن يقرأ التقارير والمقالات ويشاهد البرامج بكل سهولة ويسر من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وما يحمله الإعلام الجديد من قنوات وأوعية معلوماتية وإعلامية تتكاثر يوماً بعد يوم.
لهذه الأسباب التي لم تعد خافية على الصغير قبل الكبير، فإن المطلوب من أي وسيلة إعلامية هو أن تراجع نفسها، وذلك - بالطبع - على افتراض أنها حرة في تحديد مسارها وخطها الإعلامي، وأن تعيد النظر في جميع ما تقدمه إلى المتلقي. وهذا لا يعني إطلاقاً أن لا يكون للوسيلة الإعلامية وجهة نظر تجاه الأحداث، لكن الفرق هو في طريقة عرض وجهة النظر وعدم الخلط بين «الرأي» و»الخبر» والحرص على احترام عقل المتلقي والابتعاد عن التسطيح الساذج كما لو أن المتلقي إمعة يقبل بكل ما يصدر عن تلك الوسيلة الإعلامية.
إحدى الفضائيات العربية الشهيرة تعتقد أنها لا زالت تحتل المرتبة الأولى بين المحطات الفضائية الإخبارية التي تبث باللغة العربية. هي تعلم، ولكنها تتجاهل، أن مياهاً كثيرة قد جرت تحت الجسر، وأن المحطة التي كانت بالأمس غيرها اليوم؛ وهكذا هي الدنيا يبدل الله من حالٍ إلى حال، ولينتبه كلٌ إلى نفسه.
alhumaidak@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض