|
بيروت - منير الحافي:
بعد معركة «القصير» في سوريا وإعلان حزب الله والنظام السوري انتصارهما فيها، وبعد موقف للشيخ يوسف القرضاوي أعلن فيه أنه «أخطأ» سابقاً بالخلاف مع أئمة وعلماء المملكة العربية السعودية بسبب الموقف من حزب الله، أرادت جريدة «الجزيرة» الوقوف عند رأي رجل الدين الشيعي العلامة السيد علي الأمين في ذلك. وكان لنا حديث في مستجدات موقف الشيخ القرضاوي، وأحداث سوريا وانعكاساته على لبنان، ورأي الطائفة الشيعية بما يفعله حزب الله.
* سماحة السيد كيف ترون ما حصل في القصير من «انتصار» لحزب الله وقوات النظام على مقاتلي الثورة السورية؟ ماذا بعد هذه المشاركة لعناصر لبنانيين في القتال مباشرة؟ وهل تعتقدون أن الحزب سيقف عند هذا الحد أم أن الأنباء عن مشاركته في معارك أخرى مثل الزبداني وحلب وغيرهما حقيقة؟
- إن ما حصل في القصير قد زاد من آلام وأحزان الشعب السوري، وسيزيد من عزم المعارضة على مواصلة الطريق، وحزب الله يعتبر فيه أكبر الخاسرين لأن الشعب السوري سيحمّله أوزار الصراع الجاري على الأراضي السورية ويصبح التركيز عليه في كل المآسي التي حصلت له سابقاً من النظام والتي تحصل لاحقاً. وقد ارتكب حزب الله خطأً فادحاً وخطيئة كبرى بتدخله في القتال إلى جانب النظام السوري، وهو باستمراره في التدخل يسير على طريق الانتحار ويدفع بشعوب المنطقة إلى فتنة تجلب معها أعظم الأخطار من خسارة الدين والدنيا، ولا يستفيد منها إلا أعداء أمتنا الذين يتربصون بها الدوائر وفي طليعتهم العدو الإسرائيلي.
* ما الذي يدفع حزب الله إلى الانسحاب من حرب سوريا؟
- إن قيام الدولة اللبنانية بواجباتها في بسط سلطتها وتثبيت مرجعيتها على الأرض اللبنانية هو من أهم العوامل التي تمنع حزب الله وغيره من التدخل في القتال الدائر على الأراضي السورية.
* كيف تنظرون إلى ما جرى ويجري في طرابلس اللبنانية من انتقال الحرب السورية إليها؟ وهل من الممكن فعلا «النأي بالنفس» في لبنان عما يجري في سوريا؟
- لقد ازداد الوضع الأمني سوءاً في طرابلس بسبب انعكاس الأحداث السورية عليها أكثر من بقية المناطق اللبنانية، ولا شكّ في أن عدم قيام الدولة بفرض سلطتها طيلة السنوات الماضية أدّى إلى انتشار السلاح غير الشرعي بأيدي الأحزاب والأفراد. وهذا يشكل المناخ لاضطراب الأوضاع الأمنية، ومع ذلك فإن الدولة اللبنانية تبقى هي الأقوى من كل هذه الأطراف لأن الشعب اللبناني يقف إلى جانبها عندما تحزم أمرها في بسط سلطتها على الجميع، وبذلك تغلق الأبواب على انتقال الأحداث السورية إلى طرابلس وكل المناطق اللبنانية.
* منذ أيام قليلة، قال رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي، إنه ناصر في السابق حزب الله اللبناني وخاصم من أجله علماء المملكة العربية السعودية، مستدركا: تبين لي أني خدعت، وأني أقل نضجاً من علماء المملكة الذين كانوا يدركون حقيقة هذا الحزب. ما هو رأيكم بهذا الكلام؟
- لقد تحدث الشيخ القرضاوي عن تجربته الشخصية في العلاقات التي أقامها مع حزب الله وإيران، ونحن نرى أن الخطأ لم يكن في مساعي الوحدة والتقريب بين المذاهب الإسلامية التي يجب استمرارها، وإنما كان الخطأ في حصرية العلاقة واعتبار النظام الإيراني وحزب الله التابع له الممثل الوحيد للمذهب الشيعي. وهذا ما جعل للسياسة دوراً أساسياً في توجيه عملية التقريب بعيداً عن الرأي الآخر الذي يمثل الاعتدال والرافض للسياسة الإيرانية في المنطقة والعالم الإسلامي، وقد كانت علاقة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بالطرف الشيعي محصورة بالمؤيدين للنظام الإيراني والتابعين له، وكنت أحبذ أن يقوم الشيخ يوسف القرضاوي بالدعوة لعقد مؤتمر لعلماء المسلمين بغية تدارس الأحداث الجارية في المنطقة العربية والإسلامية لأن بعضهم قد حمل تصريحه على أنه نقد للطائفة الشيعية كلها ونقد لعملية التقريب بين المذاهب الإسلامية مع أن حزب الله لا يمثل إلا نفسه وأتباعه، ومعظم الطائفة الشيعية في لبنان والعالم العربي لا توافق على ارتباطه بالسياسة الإيرانية، وقد عبّرنا عن رأينا منذ بداية الأحداث السورية بأننا نقف إلى جانب المطالب المشروعة للشعب السوري ونرفض سياسة العنف واعتماد النظام السوري على السلاح في قمع شعبه، وقد عبّر عن ذلك أيضاً كثيرون غيرنا من أصحاب الرأي الآخر داخل الطائفة الشيعية، ونحن كنا من المخالفين للسياسة الإيرانية منذ ثمانينات القرن الماضي، ولكن الوكالة الحصرية التي أعطيت من الدولة اللبنانية وغيرها لحزب الله وحليفه حركة أمل جعلت منهما الناطق الوحيد باسم الطائفة الشيعية وأوحت بأن الشيعة في معظمهم يؤيدون السياسة الإيرانية مع أن هناك كثيرين من المعارضين لهذه السياسة حتى في إيران نفسها،
ولذلك فإننا نرفض تحميل الشيعة سياسة إيران وحزب الله، وعلينا أن نستمر في عملية التقريب التي أكد عليها قبل مدة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله باتخاذه قراراً تاريخياً بإنشاء مركز للتقريب بين المذاهب الإسلامية، ولذلك فنحن نرى أن اعتراف الشيخ القرضاوي بخطئه لم يكن بإستراتيجيات الدعوة ومساعي الجمع لكلمة المسلمين، وإنما كان في اعتماد إيران ممثلاً وحيداً للشيعة من خلال حزب الله واستبعاد علماء الشيعة المعتدلين والرافضين لنظام ولاية الفقيه في إيران عن اتحاد علماء المسلمين الذي يترأسه.
* القرضاوي أيضاً قال لموقع «الجزيرة نت»: إن الثورة السورية أجلت الحقيقة وبينت حقيقة حزب الله في معاداته للشعب السوري. ما تعليقكم؟
- لا شك بأن مظلومية الشعوب تشكل اختباراً للشعارات التي ترفعها الأحزاب وغيرها في نصرة الحق والوقوف إلى جانب المظلوم، وحزب الله كان المطلوب منه من خلال سيرته السابقة وشعاراته أن يقف إلى جانب الشعب السوري المظلوم في مطالبه المشروعة بالعدالة والإصلاح.
* هل تتخوفون من فتنة سنية شيعية أعمق لا سمح الله، خصوصاً في لبنان وفي البلدان التي يعيش فيها السنة والشيعة جنباً إلى جنب؟
- من الطبيعي في ظل استمرار الأحداث السورية وتصاعدها وانخراط حزب الله وغيره فيها أن تزداد مخاوفنا من اتساع نار الفتنة وانتقالها إلى المنطقة خصوصاً إلى لبنان إذا لم تقم الدولة اللبنانية بواجباتها في إعلان حالة الطوارئ على الحدود اللبنانية السورية منعاً لانتقال السلاح والمسلحين من سوريا وإليها.
* ما هي رؤيتكم لخلاص سوريا؟ وكيف تقومون الدور الإيراني في دعم النظام السوري؟
- إن وقوف النظام الإيراني إلى جانب النظام السوري نابع من سعي إيران للمحافظة على مصالحها ونفوذها في المنطقة بعيداً عن منطق القيم والمبادئ، وهي بذلك تخالف أسس الحرية والعدالة التي قامت عليها ثورة الشعب الإيراني، والمهم عندنا أن تتوقف شلالات الدماء التي تجري في سوريا ومسلسلات الدمار والنزوح للشعب السوري، ولذلك نحن نأمل من المجتمع الدولي في لقاء جنيف القادم أن يصل إلى هذه النتيجة بالشكل الذي يحفظ فيه تضحيات الشعب السوري وحقوقه المشروعة.
* ما هو دور «الشيعة المتنورين المنفتحين» في تصحيح الخلل بين المذهبين الإسلاميين الكبيرين؟ وهل مسموح لهم التحرك في مثل هذه الظروف؟
- إن دور الشيعة المنفتحين يجب أن يتواصل في إظهار الرأي الآخر المعتدل والساعي إلى قيام دولة المؤسسات والقانون وإخراج الوطن من عالم الساحة للآخرين إلى رسالة التسامح والوحدة بين المسلمين في إطار العيش المشترك والوحدة الوطنية التي تجمع كل اللبنانيين من كل الطوائف، وعلى الدولة اللبنانية وغيرها أن تساعد هذا الفريق بنزع الولاية الجبرية على الطائفة الشيعية التي منحتها للثنائي»حزب الله وأمل» مما سهل لهما إضعاف الدولة اللبنانية والهيمنة على مؤسساتها والارتباط بالسياسات الإقليمية البعيدة عن مصلحة شعبنا ومحيطه.