لا أدري عن صحة جواز بعض الكذبات الخفيفة التي يهدف من ورائها منتحلها إلى تطييب الخواطر أو إصلاح ذات البين أو ترضية الزوجة؛ لأن الغاية نبيلة وسامية، وهو الأمر نفسه حين يقترف بعضنا على بعض بشيئاً من التكاذيب البريئة وأحياناً غير البريئة براءة كاملة، أي أن كاذبها يعلم في قرارة نفسه وأعماق أعماق قلبه أنه لا يقول الحق، وإنما شيئاً قليلاً من الحق وشيئاً كثيراً مما يمكن أن يكون من صنف الباطل، والعياذ بالله!
نحن نكذب على بعض لوناً مما يمكن أن نسميه الكذب الأبيض المطيب للخواطر أو المنتظر ما سيتحقق من آمال وخيالات جميلة هي أشبه ما تكون بأحلام اليقظة أو أطياف المنامات اللذيذة السارة التي تعقب سرحاناً في أفكار وأمنيات جميلة متفائلة تأتي بين النوم واليقظة وكأنها حقيقة، وما هي بحقيقة ولا قريبة منها من قريب أو بعيد!
يطيب بعضنا خواطر بعض، ويقص بعضنا على بعض ما يتمناه، وهو فأل جميل؛ بيد أنه يظل حلماً أو أحلاماً تطير مع تطيير الخيال السارح اللذيذ!
من الكذب الأبيض الذي يخلط الصدق بنقيضه: لدينا قمم جبال عالية تعانق الضباب في أبها والباحة والطائف، وسهول وأودية خضراء، وأجواء باردة لطيفة، وشواطئ جميلة مسيجة ومفتوحة في جدة والدمام والخبر وحقل وغيرها، ولدينا جزر بكر، فماذا يريد السائح أكثر من هذا التنوع في التضاريس والأجواء بين قمة جبل ومنحدر أودية وشواطئ ممتدة وجزر بكر؟! وإذا لم تكن صناعة السياحة المحلية على ما نتمنى الآن بسبب ما ينقصها من أمور كثيرة يعلمها كل من شد رحله يوماً إلى بلاد الله الواسعة حيث السياحة؛ فإنها غداً ستكون في أتم صورها وأكملها، فلا نقنط من جهد العاملين المخلصين المحبين لوطنهم!
هذا حق لا ينكره إلا جاحد أو مغمض عينيه عن ثراء بلادنا بكل هذا التنوع الجميل؛ ولكن كيف يمكن أن نهيئ من ذلك كله مرتاداً سياحياً لأبناء الوطن ولغيرهم بتيسير الوصول إلى ذلك الجمال الطبيعي المتنوع؛ إن لم تكن لدينا وسائل مواصلات تخدم السياح والزائرين من طرق سريعة وسكك حديدية وتلفريك وخطوط طيران ميسرة، وما يحتاجه السائح بثمن مقبول من فنادق وشقق وشاليهات راقية، وما يلزم المسافر من أماكن الراحة والمعيشة والتزود بالوقود على الطرق السريعة، والكل يعلم كيف هو مستوى التميز في كثير من الفنادق والشقق والشاليهات والمطاعم ومحطات الوقود والاستراحات على الطرق السريعة!
يريد السائح مكاناً طبيعياً جميلاً، وأجواء باردة لطيفة، وسكناً راقياً، ومواصلات مريحة متيسرة وقت طلبه، وأماكن تسوق وترفيه، وتعاملاً حضارياً راقياً ممن يقدم له تلك الخدمات، وأسعاراً معقولة يحتملها ذوو الدخول المتوسطة؛ فما نصيب سياحتنا المحلية من ذلك كله في نظر من يدعي ذلك؟!
إن حجز مقعد في طائرة إلى أية مدينة في المملكة معاناة، وحجز مقعد في القطار الوحيد على السكة الوحيدة يمثل مغامرة لا يعلم كيف تنتهي، واجتماع عائلة كاملة في سيارة على طريق طويل أشبه بالقفز من شاهق، بسبب سوء كثير من الطرق وازدحامها وعلى الأخص في الإجازات!
ولا أجد ما يمنعني أن أسأل من يحرض على التجوال في ربوع وطننا العزيز وكأنه يوشك أن يلقي بما يشبه التهمة أو قريباً منها على من يقضي إجازاته في فضاء الله الفسيح بأن ثمة ما ينقصه من الشعور العميق بحب الوطن والانتماء إليه: لِمَ لا تقضي إجازاتك في الداخل وتمارس وطنيتك على أصولها وتطبق المبادئ التي تدعو إليها؟ وكيف تسمح لك وطنيتك المزعومة بأن تكون خطتك السياحية في كل صيف متنقلة بين باريس ولندن وجنيف وفينا وميلانو وكان وزيلامسي وجزر الهاواي، وتدع الطائف وأبها والباحة والدمام والخبر وفرسان وتبوك وبريدة ووادي الدواسر والدهنا والربع الخالي وخفس دغرة وجفن ضب؟!
moh.alowain@gmail.commALowein@