البطالة لدينا ليست مُجرَّد رقم عام يجب التسليم به، بل هو يتَضمَّن تفاصيل عديدة وأهمها أن نسبة البطالة لدى الإناث تفوق بكثير البطالة لدى الذكور، حيث تبلغ 35.7 في المئة للإناث و6.1 في المئة للذكور. ليس ذلك فقط، بل إن البطالة لدى الإناث تختلف في كون جلّ العاطلات هُنّ من خريجات الجامعات والكلِّيات بنسبة تتجاوز 64 في المئة من العاطلات.
نحن بحاجة إلى ما يزيد عن حوالي خمسين ألف ممرضة ومتخصصة في العلوم الصحيَّة والطّبية المساعدة، وبدلاً من انتظار خمس سنوات لتخريج متخصصة في التمريض أو العلوم الطّبية فإنّه يمكننا تأهيل متخصِّصات خلال ثلاث سنوات أو أقل في هذا المجال من خلال إعادة تأهيل خريجات الكلِّيات وبالذات الكلِّيات العلميَّة. هؤلاء الخريجات بحاجة إلى برنامج لغة مكثف لا يزيد عن سنة ودراسة تخصص صحي لا تزيد عن سنتين ليصبحن مؤهلات للعمل بالقطاع الصحي.
بالمناسبة برامج التمريض والعلوم الطّبية لدينا لا تتجاوز العامين، إذا ما استبعدنا السنوات التحضيرية ومتطلبات الجامعة.
كمتخصص في هذا الشأن، أرى الأمر ممكنًا جدًا، بل نحن بحاجة إليه لاعتبارات تتجاوز مُجرَّد تقليص البطالة لفئة الخريجات الجامعيات. حيث يسهم هذا التوجُّه في مواكبة التطوُّرات العالميَّة المتقدِّمة في تعليم التخصصات الصحية. بعض الدول مثل الولايات المتحدة وكندا أصبحت تشترط الحصول على درجة جامعية قبل الدخول في تعلم المسارات الصحيَّة كالتمريض وبعض تخصصات العلوم الطّبية، بل إن هناك برامج ألغيت فيها مرحلة البكالوريوس وأصبح الدخول إلى سوق العمل فيها يَتطلَّب الحصول على درجة الماجستير أو ما يعادلها. إضافة إلى ذلك فإنَّ رفع مستويات الدخول للدِّراسة التخصصية الصحيَّة يسهم في استقرار سوق العمل الصحي، لأنّه ثبت أن هناك تسربًا في مجالات العمل الصحي وأحد أسبابه دخول التخصص بعد المرحلة الثانوية دون وعي كافٍ بطبيعته ومتطلباته. وبالتأكيد سيسهم ذلك في تقليص التسرب الجامعي في كثير من التخصصات الصحية، حيث إن أحد أسباب التسرب هو عدم نضج الطالبة وإدراكها لاختيار ما يناسبها بعد مرحلة الثانوية.
قبول خريجات جامعيات في تلك التخصصات يعني نضجًا أكبر في الاختيار للتخصص وحرصًا أكبر على النجاح فيه.
نتحدث هنا عن تخصصات مثل العلوم الصحيَّة المساندة (إدارة المستشفيات، المعلوماتية الصحية، الجودة الصحية، التأمين الصحي، الخ) والعلوم الطّبية التطبيقية (العلاج الوظيفي، التخدير، علاج صعوبات الكلام، المختبرات الطّبية، الأشعة، التغْذية، وغيرها) وكذلك التمريض العام والمتخصص. ومثل ذلك ينطبق على تخصصات أخرى غير صحيَّة كتخصصات القانون والتخصصات التقنيَّة والتَّربويّة المختلفة.
لتنجح الفكرة نحتاج تبني الجامعات لها بإتاحة الفرصة لخريجات البكالوريوس للالتحاق بتخصصات أخرى وحساب الموادّ التي درسنها سابقًا ضمن متطلبات دراسة التخصص الجديد. كما تحتاج تقدير الجهات التوظيفية والتشريعيَّة كوزارة الخدمة المدنية وهيئة التخصصات الصحيَّة للخريجات اللاتي يحملن أكثر من شهادة جامعية، كأن تحسب لهنَّ أقدمية أو خدمة إضافية تقدّر بسنتين.
بالتأكيد هذه الخطوة لن تحل جميع مشكلات البطالة، لكنَّها مهمة لتقليص حجم البطالة لدى خريجات الجامعات عن طريق إتاحة الفرصة لهنَّ لدراسة تخصصات جديدة، قابلية التوظيف فيها عالية.
malkhazim@hotmail.comلمتابعة الكاتب على تويتر @alkhazimm