أتذكر زمناً مر كنت أطبع على آلة طباعة كهربائية - كانت وقتها الأكثر تطورا وسرعة - فصول أطروحتي للدكتوراه. كنت أتمنى بحرقة كلما أخطأت في كتابة كلمة أو رغبت في إضافة جملة الى صفحة مكتوبة, لو كانت الطابعة آلة سحرية تمنحني قدرة أن أدس الجملة الجديدة المرغوب في إضافتها دون أن أضطر الى إعادة طباعة كل ما جاء بعدها.
الآن صارت إضافة عبارة أو تعديل نص بتغيير مواقع العبارات في النصوص أسهل ما تحتاجه من مهارات.
الأهم أن تعرف فحوى وتفاصيل النص الذي تفضله.
***
يوميا تصلني أخبار طرح سامسونج لجهازها الجديد.. أو غيرها من الشركات المتنافسة على الصدارة في تطوير الأجهزة وزيادة المبيعات.
لي مع الجهاز الأقدم قرابة عام ولم أتقن بعض استخدام كل إمكانيات الخدمات والاستعمالات التي يقدمها. لم تكن هناك هواتف متنقلة قبل عقود ولا حتى كمبيوتر متنقل قبل أربعة عقود.
كان الحاسب وقتها بحجم صالة كبيرة والأخطاء الطباعية والبرمجية تتوالد بالمئات متراكمة على أول خطأ طباعي.. والطباعة نقرة نقرة.
اليوم لدينا هواتف كمبيوترية بحجم أصغر من الكف توضع في الجيب أو آيباد أصغر من كتاب يمكن أن تحمله في حقيبة.
وتكاثرت الأجهزة على خراش فلم يعد يعرف ما يصيد.
أعيش الآن آخر التعقيدات التي «سهلت حياتنا».. بين استخدام كمبيوتر مكتب المنزل واستخدام كمبيوتر مكتب العمل مشكلة التغيير من جهاز الى ثانٍ مما يسبب تضييع الوقت.
ثم هناك استخدام اللاب توب واستخدام الآيباد واستخدام جهاز الهاتف الذي ارتقى من خليوي بسيط الى كوميونكيتر نوكيا الى جالاكسي سامسونج. وفوق هذا كله استخدام لوحة مفاتيح وبرنامج كتابة بعدة لغات.
ومثلي خراشيون كثيرون !
هي سمة العصر.. أن تكون مرنا وأن تتضمن مهاراتك آخر ما استجد للتعامل مع آخر من استجد من المعلومات والحقائق والظروف.
مع كل هذه الأجهزة الحديثة التي نراها تتطور يوميا وتلاحقنا دعايات استبدال القديم مما نملك بالجديد المعروض في السوق منها أصبح الإنسان يحتاج الى برمجة ذهنية ليتعامل مع شتى أنواعها دون أن «ينخرش» تماماً.
وإذا كان التجدد في الأجهزة معضلة العصر فإن المعضلة الأكبر منها هي تجديد تعاملنا مع مستجدات العصر الأخرى، مثل موقع المرأة في المجتمع والمنظمات الحقوقية مقابل التفسيرات الموجهة بمنطلق عرفٍ مصرٍّ على التحجر.
***
وافق مجلس الشورى بأغلبية واضحة على توصية نسائية بمساواة المواطنة بالمواطن في حق الحصول على قرض عقاري باسمها فردياً.
وكان نص التوصية واضحاً ومقنعاً ومفصلاً.
الحقيقة أن المشكلة الأشد ضرورة لنا اليوم هي برمجة مهارات مناسبة عاطفية علمية فكرية عقلانية تبقينا قادرين على التعامل مع كل المستجدات المجتمعية بأهلية إيجابية.. وتؤهلنا لصقل عقولنا وعواطفنا لتمرير وتحليل ما يمر بنا من معلومات وإثباتات جزئية أو قديمة لنستنتج منها الحقائق حول الاختيارات الأفضل للمجتمع ككل.