لوحة استوطنت أعلى مدخل كل ناد لدينا، لكنها لوحة علاها الغبار، وأخفى شيئاً من ملامحها الزمن، بعد أن تجاهلها المكان، لوحة نقشت فيها - ذات حماس - هذه العبارة (رياضي.. ثقافي.. اجتماعي).
ولكن بلا ترجمة حقيقية على أرض الواقع وأنشطة النادي، فالرياضة أكلت الأخضر واليابس على بقية عناصر تلك اللوحة، واللهث وراء الأضواء لم يترك مجالاً لهذه العبارة أن تتنفس بكل أطرافها، فمسيرو الأندية مشغولون بعقد الصفقات، والهرولة ناحية البحث عن البطولات، فأصبح المشهد مقتصراً على الجانب الرياضي، والرياضي فقط، بلا حول للثقافي أو قوة للاجتماعي.
وبظني أني لم أبالغ في وصف الحال داخل أنديتنا، وماهية أولوياتها، بل إن شئتم كل اهتماماتها، وأتساءل: لماذا هذا الإهمال للجانبين الثقافي والاجتماعي؟!
ولا أدري من وطّن هذه النظرة الضيقة في عقول مسئولي الأندية، فاهتمامات الشباب ليست مقصورة على الرياضة فقط، وميولهم واتجاهاتهم متنوعة حتماً، وهي بالتالي تحتاج لمكان لتتنفس من خلاله، وتحتاج لمؤسسة تحتوي تلك الرغبات وتعمل على توجيهها التوجيه الأمثل، ليكونوا أبناء وطن، سليم المعتقد والتوجه، وبمنأى عن أي فكر منفلت، أو عقل متلوث.
عموما هذه النظرة السوداوية عن أغلب الأندية تجاه التعاطي مع جانبي الثقافة والاجتماع، لا يمنعني صراحة من الإشارة بكل حيادية لبعض التجارب والجهود المتناثرة من قبل عدد محدود من أنديتنا، بالتفاعل مع برنامج توعوي مثلاً، أو التعاطي مع مناسبة اجتماعية، أو إقامة محاضرة أو فعالية.
لكن الإيمان الكبير بأهمية هذا الجانب والتفاعل الكبير معه، برصد ميزانية خاصة له ووضع الخطط والبرامج على مدار العام، وبشكل يتلمس احتياجات المجتمع، وحاجات من فيه، كل هذا لا أجدها صراحة إلا في نادي واحد فقط وأعني هنا نادي الشباب، فالأمور هناك تدار بشكل منظم، والبرامج متنوعة تجذب كل مهتم.
يكفي أن أقول: إن النادي الآن يقيم وللسنة السابعة على التوالي المركز الصيفي لذوي الاحتياجات الخاصة، وهو عمل رائع وجبار، يُعنى بفئة غالية علينا، تحتاج للرعاية والترفيه، فما أجمل أن ندخل البسمة عليهم وذويهم.
بل إن النادي أعلن عن مسابقة لحفظ القرآن الكريم ستبدأ قريباً بإذن الله، وبالمناسبة فهي تُقام للسنة الرابعة، ولكم أن تتخيلوا المشهد وجماله، والنادي يحتضن حفظة كتاب الله، ويقدم لهم الحوافز والجوائز.
وحتى لا أقع في فخ الحصر، فسأكتفي بإيراد بعض من تلك البرامج التي تقدمها المسؤولية الاجتماعية بنادي الشباب دونما تفاصيل، فالنادي تجده دائما حاضراً بالمناسبات الوطنية وذلك من خلال المهرجانات الإنشادية، كما أن لديه تفاعلا كبيرا في البرامج التوعوية كإقامة معرض عن أضرار التدخين، علاوة على مبادراته في التبرع بالدم، بالإضافة لعنايته بالجانب الثقافي وذلك بجعل مسرح النادي منبراً لكل المبدعين، حيث نجد مسرحيات الأطفال بجانبها التربوي والتعليمي، ولا نُعدم مسرحيات الكبار في الأعياد والمناسبات بجانبها الترفيهي والاجتماعي، ولا أريد أن استرسل بالمزيد، فيكفيني من العقد ما أحاط بالعنق.
لكني سأختم بأجمل ختام وهو الإشارة لعادة إنسانية سنوية شبابية، أصبحنا نراها كل رمضان، وأعني هنا إقامة إفطار جماعي مع أطفال إنسان، بمعية إدارة النادي ولاعبيه وكافة أجهزته، وما أجملها من عادة، وكم أتمنى أن أرى مثيلها في بقية أنديتنا. أخيراً، خلف كل ما سبق من جهد وعمل، رجال لا تعرف الكلل، رجال بذلت الغالي والنفيس لترسم في وجوه الآخرين الفرح، وتقدم المعرفة بأبهى صورة، ليكون النادي - فعلاً - كما يحب أن يُقال عنه، وهو ما اعتاد أن يبثه عبر جواله: الشباب ليس نادياً رياضياً فقط.
فشكراً لأولئك الرجال، شكراً للرمز الشبابي صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان بما يقدمه من دعم ورعاية وتوجيه، وشكراً لرئيس النادي الأستاذ خالد البلطان وإدارته بما يبذلونه لتذليل كافة الصعوبات التي تواجه إدارة المسؤولية الاجتماعية بالنادي، وشكراً بحجم جمال العمل وما يقدم، لمهندس الإبداع وعرابه، صاحب الفكر النير والعقل المستنير، الدكتور فهد العليان، وبمعيته كوكبة من الشباب والجنود المجهولين، الذين جعلوا النادي خلية اجتماعية ومطبخا ثقافيا، حتى أصبح مزاراً لكل ضيوف المؤسسة الرياضية، شكراً لكم جميعاً وجعل الله ما تقدمونه في موازين حسناتكم.
كلٌ يرى الناس بعين طبعه
أن يأتي إعلامي بتغريدة عن تخصيص الإدارة الشبابية لـ(200) تذكرة مجانية لجمعية (إنسان) وهي امتداد لما دأب عليه النادي وسطوري أعلاه مثال، ثم يعلل ذلك الإعلامي سبب تلك المبادرة بأنه في سبيل البحث عن زيادة المدرج الشبابي، فإن أقل ما يمكننا قوله عن هذا التفكير بالسخيف ولن أبحث عن مزيد من (الأسامي) لوصف حاله، لكني ربما أجد سبباً - ولا أقول عذراً - لذلك، حيث التنافس الرياضي الكبير بين ميول قلمه والفريق الشبابي وقت التغريدة.
ولكن أن يصر عليها بعد ذلك ويترجم تلك التغريدة لمقال رياضي بنفس الفكر المريض، فيحوّل ذلك التصرف الإنساني الرائع إلى نظرة محدودة لا تبعد عن أرنبة أنفه، فأعتقد يحق لي أن أشفق على قلم يمسكه، وأدعو بالشفاء لعقل يملكه، وأترحم على متابع لازال بعد هذا السقوط يقرأ له.
قالوا.. لزين الدين العراقي:
إن كنت لا ترحم المسكين إن عدما
ولا الفقير إذا يشكو لك العدما
فكيف ترجو من الرحمان رحمته
وإنما يرحم الرحمان من رحما
تويتر: @sa3dals3ud