لا أدري لِمَ انتابني الإحساس بأني مجرد ذرة في نواة.. أرهقها الدوران حول محورها.. وحول مركز النواة بلا توقف.. امتد بي المسير طويلاً.. أعواماً تتلو أعواماً.. في نفس النسق.. لا أملك الخروج عن مداري.. ولا أملك حتى ألحق في التوقف.. خشية أن تختل المنظومة.. تلك التي لا أدري عنها شيئاً.. لكني موقنٌ بوجودها كما أُوقن بوجودي..
هل هو قدري أم هو اختيار مارسته، وأنا مطلق اليدين غير معصوب العينين.. قبل أن تطوّق القيود معصمي.. وأصبح عاجزاً عن الرؤية بفعل ما أسدل على نظري من حجاب.. لا أدري.. ولكني مستمر في دوراني بلا انقطاع.
المشاهد تتتابع أمامي بلا تغيير.. أعرفها دون رؤية.. نفس الوجوه.. ذات الأماكن.. أسمع نفس الأصوات.. حتى إني أشم نفس الروائح.. وتلمس يدي المكبلة.. نفس القيود.. باردة.. لا روح فيها.. يدي.. والقيود.
فكرت مراراً في التمرد.. والخروج من مدار إلى مدار آخر.. بأن أفكاراً شيطانية راودتني أن أصطدم بقلب النواة لأفجّرها.. وليكن ما يكون بعدها, لكن أشياء كثيرة منعتني.. لعل أولها الخوف من المصير المجهول.. حاولت تذكر باقي الأشياء.. لم أفلح.. لكني موقن بحتمية وجود أسباب أخرى لكل شيء.. سمعت إطراف أحاديث عن محاولات للتمرد قام بها البعض.. منهم من حاول أن يحطم الدائرة.. ومن حاول عكس اتجاه السير.. ومن حاول أن ينتقل إلى مدار آخر.. لكن قصصهم جميعاً انتهت نهاية لا نعرفها.. فلم يعد أحدٌ منهم مرة أخرى ليروي ما حدث..
أذكر في واحد من أحلامي القليلة أني رأيت شعاعاً من نور يجذبني.. يُناديني أن ألحق به.. وأذكر أني في ذات الحلم.. استجبت للنداء.. لكني لا أذكر ماذا حدث بعد ذلك.. وحين استيقظت عدت من جديد أدور.. وأدور بلا نهاية.
يقطع صمتي ضوء رأيته رغم الغطاء على عيني.. هو نفس الشعاع الذي رأيت في حلمي.. هل حانت اللحظة؟
أُقرر المجازفة.. أنا قادم.. برغم القيد الحديدي.. وبرغم أني لا أعرف إلى أين أتجه.. لكني قررت الخروج.. فلن أبقى أبداً عالقاً على جدار الزمن.