|
الجزيرة - الرياض:
من الشرفة الخارجية لمقهى راق يشرف على مضيق البوسفور يتجلى الوجه الحديث لإسطنبول المدينة التركية الأكبر والمركز المالي للبلاد. ويقدم المقهى لزواره أطباق الكارباتشو الإيطالية، بينما يمتزج ذلك بصوت الآذان المنبعث من مسجد مجاور.
ويتألق اقتصاد تركيا بعد عقد من الاستقرار السياسي والإصلاح بقيادة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنميـــة ذي الجــذور الإسلامية. لكن مع اقتراب ترك أردوغان منصب رئيس الوزراء تأمل النخبة المالية في تركيا أن تواصل المسيرة.
وازدادت شعبية اردوغان مع تنامي ثراء المواطن التركي. وتضاعف الناتج الإجمالي للبلاد ثلاث مرات ويتمتع حزب العدالة والتنمية الآن بدعم نصف الناخبين. وأصبح عقد التسعينيات الذي عانت فيه تركيا من فرط الإنفاق وتضخم نسبته 70 في المئة ماضيا منسيا.
ولدى أردوغان وحزب العدالة والتنمية طموحات تمتد لعقد قادم. فهم يريدون الانتقال بتركيا إلى مصاف الاقتصادات العشرة الكبرى عالمياً عام 2023 الذي يصادف العيد المئوي لتأسيس الجمهورية التركية. ويرون اسطنبول المستقبل مركزاً مالياً عالمياً للمالية الاسلامية ومركزا رئيسيا لحركة الطيران الدولية. وهذا يعكس قدرات النمو التي تنطوي عليها التركيبة السكانية الشابة للشعب التركي البالغ تعداده 75 مليون نسمة وإصرار أردوغان وحزبه على البقاء في السلطة.
ويترك أردوغان باب التكهنات مفتوحاً أمام الناخبين بشأن ما ينوي عمله مع نهاية فترته. لكن المتوقع أن ينافس على مقعد الرئاسة العام المقبل في خطوة قد تسمح له بالبقاء في الحكم لعقد جديد. وتمنع لوائح حزب العدالة والتنمية أردوغان من الاحتفاظ بمنصب رئيس الوزراء عام 2015. ولا يتفق الرئيس التركي الحالي عبد الله غول أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية في كل الأمور مع أردوغان. لكن من غير المتوقع أن يدخل الرجلان في مواجهة علنية تزعزع استقرار البلاد.
وتعتمد تركيا على سياسة نقدية غير تقليدية منذ 2010 لمواجهة أموال المضاربة الساخنة ولمحاولة السيطرة على التضخم. وتتخذ إجراءات أخرى أيضا. وهناك سياسة للتصالح مع الأثرياء تهدف إلى جذب حصة من أموال الأتراك الأثرياء في الخارج والتي تقدر بمبلغ 130 مليار دولار. تقول أونا جالاني، مراقبة تعمل لدى خدمة رويترز بريكنج فيوز: بدأت تركيا أيضا المساهمة بشكل محدود في صناديق تقاعد خاصة أملا في تعزيز المدخرات المحلية. وهذا لن يجعل البلاد معزولة عن الصدمات الخارجية لكنه سيجعل الاقتصاد الاستهلاكي قادرا على التعافي السريع من أي ركود.
ولا تتعاطف النخبة المالية في تركيا مع حزب العدالة والتنمية. وتساورها مخاوف من ضعف السلطة القضائية كما تخشى من أن الحكومة تسعى لفرض التدين على نطاق أوسع في البلاد. وتأسف تلك النخبة لتنامي تسلط أردوغان وهو ما تعتبره فرصة ضائعة لإتمام بناء المؤسسات الديمقراطية في البلاد. وتخشى تكلفة اتساع السياسة الخارجية التركية في الإقليم لاسيما تجاه سوريا. ولديها مخاوف من تبعات تنازل تركيا عن وجهها الحديث.
وتتابع جالاني: «ورغم كل هذه الضبابية من الصعب أن تجد مصرفيا أو مديرا في إسطنبول غير متفائل بمستقبل تركيا. ويبقى على أردوغان إثبات صحة آمال هؤلاء أو خطأ مخاوفهم».