فجأة ضجّت الصحف والمنابر والصفحات والمقالات، حول الفائدة المترتّبة على تغيير العطلة الأسبوعية في المملكة، بحيث يكون يوم الخميس يوم عمل والإجازة الأسبوعية يومي الجمعة والسبت.. وبدل أن يحتار الناس في أنفسهم بعد أداء صلاة الجمعة كما كانوا يفعلون دائماً فلا يعرفون ماذا يفعلون في بقية يومهم..
ستصبح الجمعة يوماً زاهراً جميلاً حقاً بتأدية الخلق لصلاته الكريمة، ثم في استنفار أنفسهم وأسرهم للاجتماعات الأسبوعية (العائلية) في الغالب.
يجب أن ننتبه أن خُطب الجمعة ومن الآن فصاعداً ستكون محوراً أساسياً للحديث في كل اجتماعات العطل الأسبوعية وخاصة بين الرجال بحكم حضورهم في المسجد، ففي حين كان الناس يسمعون خطبة مسجدهم ثم يصلون جمعتهم ويعودون إلى بيوتهم بعد نهاية أسبوع حافلة منذ مساء الأربعاء. ها هي الجمعة تتحوّل لتكون قلب حدث العطلة الأسبوعية ويليها السبت الذي سيحتل قائمة آخر أيام الأسبوع مللاً!
الغريب هو: كيف كان الجميع (مجلس شورى ومنابر صحفية ورجال أعمال) في سبات عميق قبل إعلان الأسبوع الماضي، رغم إدراكهم المسبق لضياع الكثير من الفرص الاستثمارية والاقتصادية، وكيف انبرت المنابر فجأة وبعد صدور القرار الملكي للدفاع عن حق رجال الأعمال السعوديين في استغلال الحركة الاقتصادية العالمية، وكيف سيضيف الخميس إلى مكاسب سوق الأسهم الذي سينتعش بإتاحة الفرصة للاعبيه ليوم إضافي في الأسبوع!
ألم نكن نعرف مسبقاً أن قدرتنا الاقتصادية والبنكية كانت محدودة بحكم تفاوت أيام الأجازات بيننا وبين محرّكي الاقتصاد الحقيقيين في الغرب وآسيا ؟ كنا جميعاً نعرف أن هناك أربعة أيام ضائعة في الأسبوع إذ حين تبدأ إجازتنا في المملكة الخميس والجمعة يستمر سوق المال والأعمال العالمي في التداول النشط، وحين يقرر العالم خارج دائرتنا الضيقة الركود لعطلته الأسبوعية يومي السبت والأحد، نهب من سبات عطلتنا لنبدأ أسبوعنا النشط فنجد الفرص الاستثمارية والمالية والاقتصادية وقد طارت مع الريح!
كنا جميعاً نعرف ذلك ولم يجرؤ أحد أن يعلِّق الجرس! تماماً كما نعرف مثلاً بأنّ تعليمنا كان ولا زال موجّهاً لخدمة التخصصات (الإنسانية) التربوية والشرعية والأدبية وخاصة للنساء والتي لن تمنحهن مهارة عملية تتيح لهن التنافس في سوق العمل، وللتدليل على ذلك ما أشارت إليه إحصاءات وزارة التعليم العالي للعام 1431-1432 التي أوضحتها مقالة الزميل الجريفاني المنشورة في جريدة الاقتصادية تحت عنوان: البطالة تبدأ من التعليم (أما مخرجات التعليم لدينا في المملكة وحسب إحصائية وزارة التعليم العالي لعام 1431-1432هـ فكانت كالتالي: المركز الأول بنسبة 18 في المائة من إجمالي مخرجات التعليم دراسات إنسانية ولا تشمل القانون، وهو يشكل 1 في المائة من مخرجات التعليم، ولا تشمل أيضاً إدارة الأعمال، أما المركز الثاني من مخرجات التعليم فقد كانت لتخصصات الدراسات الإسلامية بنسبة 14 في المائة، أما المركز الثالث فكان من نصيب تخصصات إدارة الأعمال، وهي تشكل 9 في المائة من مخرجات التعليم. وهل تعلم أنّ التخصصات الهندسية لا تشكل أكثر من 3 في المائة من إجمالي مخرجات التعليم، أي بمعنى آخر أن أكثر من ثلث مخرجات التعليم لا تتناسب مع سوق العمل؟ إذاً هل المشكلة أن القطاع الخاص لا يرغب في توظيف أبناء البلد أم التعليم لا يرغب في توظيف أبناء البلد؟) ؟؟ نفس الشيء يقال بالنسبة لتعليم المرأة الذي تم احتجازه حتى أعوام قريبة في خانة التخصصات التربوية فقط، كما أشارت خطّتا التنمية الثامنة والتاسعة والتي سمتها هذه الخطط (عنق الزجاجة) الذي تم احتجاز المرأة السعودية فيه بحصر معظم الكليات المتاحة لدراستها ضمن كليات المعلمات التي كانت تشرف عليها الرئاسة العامة لتعليم البنات قبل تحويل مسمّاها إلى وزارة التربية والتعليم عام 2004، بحيث لم تتمكن 90% من خريجات هذه الكليات فيما بعد تلك السنة وبعد كفاية المؤسسات التعليمية من المعلمات السعوديات، من إيجاد وظائف فانتشرت البطالة بينهن انتشار النار في الهشيم، بحيث حدث ولا زال يحدث أن تتقدم ألفا مواطنة على وظيفيتين مثلاً في المرتبة الثالثة أو الخامسة في أي مؤسسة حكومية تعلن عن وظائف!.
نفس الشيء حدث مع إدخال اللغة الإنجليزية إلى برامج التعليم العام والذي بدأت المناداة به منذ أكثر من عشرين عاماً، لكن ( المؤدلجون) نجحوا في إعاقة هذا المشروع الوطني لسنوات بحيث ضاع أبناء الطبقات الفقيرة ومن هم خارج المدن الرئيسية، والذين لا يتمكنون من الدخول إلى المدارس الخاصة والحصول على ما يستلزمه القطاع الخاص من لغة إنجليزية كما يفعل أبناء الأسر القادرة في المدن الكبيرة، ممن يحاولون ترقيع أخطاء التعليم الحكومي المتاح مجاناً بإلحاق أبنائهم بمدارس خاصة أهلية برسوم، لأنها تقدم ما يحتاجه سوق العمل من مهارات حياتية ولغة إنجليزية وانفتاح على متغيّرات العالم عبر مناهج مكثفة في العلوم والرياضيات، والتي ظل ( المؤدلجون) يحاربونها ويحاربون معها وزارة التربية والتعليم حتى الساعة، لكن من الذي دفع الثمن؟
إنهم أبناء الفقراء ومتوسطي الدخل الذين بقوا في آخر السلم محصورين في دائرة الأعمال البسيطة، بسبب عدم امتلاكهم للمهارات الأساسية التي يحتاجها عالم اليوم!
ذات الشيء في ما يتعلق بمناهج العلوم والرياضيات وغلبة المناهج النظرية على التلقينية في مدارسنا، بحيث منيت المملكة وحتى آخر امتحانات لأبنائها عام 2011 في الامتحانات العالمية للعلوم والرياضيات بأسوأ نتائج، مما يدل على أنّ الطلاب غير مهيئين بما يحتاجه عالم اليوم من مهارات في هذه الجوانب TIMSS
نفس الشيء حدث مع رياضة المرأة والسماح أو عدم السماح لها بالدخول إلى مدارس البنات الذي لا زلنا عالقين فيه حتى اليوم.
وقس على ذلك كل قانون يتعلق بالمرأة ... بقيادة المرأة للسيارة..بالسياحة الداخلية بالحريات العامة ؟ بالخدمات المتاحة للمواطنين وللأسرة ؟ ببرامج الترفيه العامة ؟ بالفنون ؟ببرامج الشباب ؟ بالسينما بالمطاعم .... الخ الخ الخ...
مرة أخرى من اللاعب الرئيسي ؟ من الذي يعيق القرارات ؟ أهي احتياجات التنمية الحقيقية أم هي الأيدلوجيا؟
من الذي يتدخل في شؤون حياتنا وأولادنا وبيوتنا وشوارعنا وأسرنا دون أن ندري؟