ما حدث في قطر الشقيقة من تنازل سمو الشيخ حمد لابنه سمو الشيخ تميم حدث استثنائي في المنطقة، ولكنه مسبوق بحالات عديدة للتنازل عن السلطة في عدة دول عربية وإسلامية وغيرها من الدول.. ولا شك أن العنوان الرئيسي المباشر لهذا الحدث أن السلطة هي عبء كبير والمسئوليات ضخمة يصعب
حملها في أحيان عديدة، وهي في منطقة الخليج بشكل خاص تكليف وليس تشريفاً، وأداء واجب تاريخي يفرضه التاريخ وتفرضه الجغرافيا، وهو مطلب شعبي قبل أن يكون تطلعا إلى سلالم الحكم وعروش الملك والإمارات..
أن إدارة الحكم في منطقة الخليج العربي لها سماتها التي تميزها ولها تاريخها الحافل بالانجازات، ولها جغرافيتها التي امتزجت بعبق الأرض وعطر الناس وشموخ الكيانات السياسية ونجاح التجارب التنموية.. فالقيادة هي مطلب شعبي تقوده احتياجات الناس ومتطلبات المرحلة وتاريخية الأحداث.. ولكل دولة قيادتها الواعية بهذه الاحتياجات التي تضعها أمامها وليس خلفها.. في مقدمة اهتماماتها وليس في آخر أولوياتها.. ومن هنا نجحت التجربة الخليجية..
إن جزءا رئيسا من نجاح الأقطار الخليجية في مشروعاتها التنموية هو تقاليد الحكم وأعراف السلطة التي تتلمذت على أقدار الصحراء ومعيشة الحياة البدوية الأصيلة التي تفرض احترام الصغير للكبير والأخ لأخيه، وهي حياة أصيلة متولدة في داخلنا نعيشها بحب ونعشقها بشغف.. هذه حياتنا وهذه نظرتنا إلى علاقة الحاكم بالمحكوم والقيادة بالشعب أو لنسمها نظريتنا السياسية في القيادة والحكم.. وهذا ما جعل بلادنا وبلاد الخليج تنجح في مشروعات التطوير ومناخات الازدهار بينما دول أخرى كثيرة فشلت ولم ينجح منها احد بسبب آلية الحكم الناقصة التي تطرح ولا تضيف لشعوبها إلا الشعارات البراقة الخاوية من كل محتوى ومضمون..
ولاشك أن لكل مجتمع خصوصيته وظروفه ومتطلباته، كما تحكم المجتمعات رؤيتها ورسالتها وأهدافها التي تسعى إليها وتحقق من خلالها غاياتها التي تلبي استحقاقاتها التاريخية التي تفرض عليها شخصيات المرحلة وأهداف التاريخ ومتطلبات الجغرافيا.. وهذا ما هو حاصل في الدول العربية ذات الرعاية الأبوية والأعراف السياسية والتقاليد العربية..
ما حدث في قطر يجب أن ننظر إليه على أنه شأن داخلي بحت وهو في أعلى مستوياته إعادة ترتيب داخليه لأوراق الحكم في الشقيقة قطر، ربما يترتب عليها إعادة توثيق علاقاتها الداخلية والخارجية وفق رؤية حكم جديدة.. ولاشك أن ما قام به الشيخ حمد خلال سنوات حكمه شكل نقلة نوعية في حياة القطريين وكانت بمثابة بصمة طبعت النجاح والتطور في النظام الاجتماعي لدولة قطر، ولن يكون هناك تغير كبير في حكم الشيخ تميم، ولكن من المتوقع أن يكون هناك تطورات نوعية في علاقة قطر بشقيقاتها الخليجيات والعربيات بما يلبي مصالح المنطقة بالإجمال..
ما نتمناه للشقيقة قطر هو استمرار نجاحها في مشروعاتها التنموية الكبيرة التي تعد مكسبا ليس فقط لقطر والقطريين ولكن للخليج والخليجيين، فنحن في دول مجلس التعاون الخليجي شعب واحد ونظام واحد ونسعى جميعا من خلال هذا المجلس إلى ترجمة رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لأن نكون اتحادا خليجيا واحدا، ننتقل منه من هيئات مشتركة إلى اتحادات مندمجة، ومن شعوب مستقلة إلى شعب واحد، ومن نجاحات متفرقة إلى نجاح كبير في كافة الصعد والميادين، ومن قوى متعددة إلى قوة واحدة تهابها الدول وتشكل واجهة سياسية واحدة أمام العالم..
إن الحراك السلمي والانتقال السياسي في دول مجلس التعاون الخليجي يعكس قوة ومتانة وصلابة الكيان الخليجي وتحوله إلى عمل مؤسسي متين ليشكل أفضل تجربة عربية معاصرة مر عليها العالم العربي، حيث أكسبته الكثير من الاستقرار وأوجدت داخله توازنا في علاقات داخلية وخارجية أساسها مصالح الوطن والمواطنين ومنطقتنا الخليجية، التي نضعها دائما في خدمة قضايا أمتنا العربية والإسلامية..
alkarni@ksu.edu.saرئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال - المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية - أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود