أكتب وأنا بين تأثير قراءات متقاربة في زمني الخاص؛ بعد أن انتهيت من قراءة ملف كامل أستعد بتدوين ملاحظاتي عنه لمناقشات جلسات الشورى هذا الأسبوع. بين بنود جدول الجلسات بند يتضمّن تقريراً استوقفني للتأمُّل العميق؛ عنوانه مشروع زواج السعوديين بغيرهم. ومؤخراً أحد المتابعين في تويتر أرسل إليّ قبل قليل هاشتاق يشاركني طرائف محتوياته، حيث يجمع التعليقات الساخرة تحت عنوان «يقولون - ملكة».
من ردود الهاشتاق - أو الوسم بعد التعريب - وجدت النساء يسخرن من تناقض الفكرة، والرجال يبررون ويحاولون تفسيرها وتوضيحها.
ما ربط بين الموضوعين في تأملاتي هو مقارنة حقوق أبناء وبنات السعودية المتزوجة بغير سعودي، بحقوق أبناء وبنات السعودي المتزوج بغير سعودية .. وما يتضح من مأزق الجنسية. في الحالة الأولى يتبع المواليد جنسية أبيهم ويسجلون كسعوديين حال ولادتهم دون أي إشكال. وفي الحالة الثانية يتمرمط أولاد «الملكة» لأنها لا تملك حق توريث مواطنتها لمواليدها ما لم يكن أبوهم سعودي الجنسية!!
بمعنى أنها «ملكة « بشروط. وهي حسب قانون الجنسية وقانون زواج السعوديين بغيرهم، ليست أهلاً لحقوق الملكة في منح أولادها حقوق جنسيتها لكونهم أبناء وبنات مواطنة سعودية.
المضحك المحزن في هذا التناقض أنه مثبت علمياً أنّ كل طفل بلا استثناء يرث نصف جيناته من أبيه ونصفها من أمه. أي أنه لا يأتي بها من جانب الأب فقط. والمحزن أنه عاطفياً يرث كل انتمائه للوطن من تربية أمه له.
في السعودية ما يزيد عن عشرين مليون مواطن منهم تقريباً عشرة ملايين مواطنة, سبعة ملايين منهن تحت الخامسة والعشرين. أتذكّر مشاركتي في مقابلة في برنامج «الثانية» مع داوود الشريان، ذكر فيها أحد المشاركين أنّ د. سهيلة زين العابدين أوردت إحصائيات تؤكد أنّ 750 ألف مواطنة متزوجة من غير سعودي. لا أستغرب ذلك فأنا أعرف كثيرات مثلهن, بين من تزوّجت قريباً لها يحمل جنسية بلد آخر قريب أو بعيد, ومن تزوّجت من غريب تقدم فوجده أهلها كفؤاً لها , و من اختارت الغريب لأسباب أخرى متعددة. ولو افترضنا أنّ معدّل عدد الأولاد من كل الزيجات 4 فقط - و أنا أتوقع أكثر - فإنّ هناك بيننا 3 ملايين من أحفادنا أبناء وبنات السعوديات لا يعتبرون مواطنين كاملي المواطنة. يعيشون معنا على أرض لا يعرفون غيرها وطناً.. أتوقع نسبة أكثر من 10 % من مجمل السكان! الشعور السائد بينهم هو الشعور بالظلم حين يقارنون أوضاعهم بأوضاع أبناء وبنات خالهم - سواء تزوج بسعودية أو بغير سعودية - الذين يحصلون على الجنسية السعودية الكاملة بكل حقوقها بمجرّد ولادتهم. وليس بالضرورة أنهم ولدوا على أرض الوطن.
ثلاثة ملايين محبط ومحبطة نصف دمائهم سعودية يعانون الأمرين في شؤون حياتهم منذ ولادتهم, ويكتشفون أنهم في مجتمع لا يجد صعوبة في التعايش مع الازدواجية حين يكرر للآخرين وهو يدعوهم إلى اعتناق ديننا السمح، بأنّ أهم مثاليات هذا الدين المتميِّز، أن لا فضل لعربي على أعجمي إلاّ بالتقوى, ثم يصدمهم أن لا مواطنة أمهم ولا دين أبيهم ولا لغته يمنحهم استحقاق الجنسية!!
أبناء بناتنا أبناؤنا بغضِّ النظر عن أصل آبائهم.
ولي عودة إلى الموضوع ..