يقال: إن (بدواً على جال ضوهم) - أي قرب موقد نارهم في إحدى ليالي الشتاء الباردة كانوا (يسولفون) - أو بالأحرى يتحدثون هكذا لوحدهم: فقال أحدهم: غداً سأغزو وسأكسب حصاناً ثم سأربطه في الطنب الأيمن، فقال الآخر: بل ستربطه في الطنب الأيسر، ثم احتدم النقاش وتقاتل الرجلان فذهبت الحادثة مثلا بقولهم: (متهاوشين عند مربط الحصان). هذه القصة السخيفة تذكرني دوماً بحال الجمهور العربي الذي ما إن يحدث أي طارئ في الكون إلاّ واحتدم النقاش حول الانتصار لطرف دون الآخر مع أن القضية قد لا تعنيهم مطلقاً، أو بالأحرى من (المفترض) ألا تشغل بالهم كثيراً وأعني بذلك الجمهور الذي تقاتل منذ قابيل وهابيل على أيهم على حق، وهو نفسه الذي تقاتل بسبب الزير وجساس، وهو نفسه الذي تقاتل بسبب داحس والغبراء وهو نفسه الذي تقاتل على (حنوّن)، فيما إذا كان مسلماً أو كافراً إلى أن حسمها الشاعر الذي قال: (ما زاد حنون في الإسلام خردلة ولا الكفار لهم شأن بحنون)، وهو ذات الجمهور الذي انقسم في أوائل هذا القرن على الحلفاء والألمان، وكذلك على الروس والأمريكان في الحرب الباردة، ومن هنا فإن مشكلة الجمهور العربي أنه لا يريد أن يكون متفرجاً فحسب، بل يريد أن يكون حكماً أيضاً، وهذه معضلته الكبرى وسرّ تخلفه وتبديد وقته وسبب انصرافه عن مصالحه وسرّ عناده فهو أي الجمهور العربي المسكين حتى في لعبة كرة القدم يريد أن يكون متفرجاً ومشجعاً وحكماً ولاعباً، ولكنه لا يقبل النتائج التي لا تكون لصالحه وما أكثرها دوماً، وذلك لأنه يريد دوماً أن يكون على حق والآخر على باطل مع أنني أعرف تماماً أنه لو كان على (حق) وعن (حق وحقيق)، بل وحقيقة لما انهزم يوماً ولما خابت توقعاته. ولكنه يبحث عن حق حتى لو كانت النتائج المتوقعة غير ذلك، فهل أن الآخر على حق؟! أم أن الحق كالعادة له.