أكدوا حجزي إلى أبها ذهاباً وإياباً
فلقد عانيت من بعدي عن الأهل عذابا
ولقد عانيت من بعدي عن الأحباب حتى
ضقت ذرعاً وتحملت النوى والاغترابا
يا خطوطاً لم تكن بالمستوى المطلوب يوماً
أتصدون فتى مثلي يريد الاقترابا
ولقد عانيت من حر يفور اليوم جداً
من يطيق الحر لما الحر يزداد التهابا
احجزوا لي مقعداً لا غير يا أحباب قلبي
إن لي حتماً عليكم إن تقاعستم عتابا
قال مسؤول الخطوط: اذهب فلا حجز لدينا
قبل شهرين من الآن ذهاباً وإيابا
قلت: مالأسباب يا هذا الذي يبدو أمامي
قاعداً يختال كالطاووس لا يدري جوابا
لو علمنا الغيب يا هذا حجزنا قبل عامٍ
بدلاً من أن ترانا اليوم نزداد اضطرابا
يا فتى ما سوف يجري في غدٍ من حادثاتٍ
ربما نجري ولم يحسب لها الناس حسابا
شاب من لم يجد الحجز وإن كان شباباً
ولم لا وغراب البين من بلواه شابا
والإجازات التي يهفو إليها كل فردٍ
شابها ما شابها أي إذا التكدير شابا
لا يشوب الماء مهما قيل شائبة إذا ما
أصبح الينبوع عذباً مستساغاً لا مشابا
لو أتاحوا للفؤاد المتمني أن يهني
كل مصطافٍ مع أسرته طابت وطابا
غير أن الحجز قد حز بلا ذنب فؤادي
والوف الناس غيري كلهم أضحى مصابا
ضحك الطاووس حالاً وتضاحكنا جميعاً
إذ رأينا عجباً من ذلك الحال عجابا
يا خطوطاً قصرت في حقنا قولاً وفعلاً
واستهانت بجميع الناس شيباً وشبابا
لو سألنا أي مسؤول أتانا باعتذارٍ
وجوابٍ لم نجد فيه سداداً أو صوابا
لا تلوموني إذا ناديت أحبابي ولوموا
كل من يقترب اليوم من الحجز اقترابا
يا خطوط العجز يا تلك الخطوط اليوم مالي
ولأمثالي نرى الآمال وهماً وسرابا
أتراها لم تعد أهلاً لتحقيق الأماني
أم تراها استمرأت نقداً وشتماً وسبابا
غاب ذاك الابتسام اليوم عن عيني وهذي
خدمات الحجز للركاب تزداد غيابا
في المطارات ترى الركاب شيباً وشباباً
سئموا ضيقاً وإزعاجاً وحزناً واكتئابا
وانتظار الناس كالأكياس لا يقوى عليه
أحد إلا إذا شخص عصى الله وتابا
ولقد عانيت لو تدرون ما عانوا جميعاً
غير أني عدت بعد اليأس للبيت انسحابا
احجزوا لي فلقد ألفيتني مما أعاني
أتحدى الحر بالثلج وبالماء شرابا
رب يسر لي إلى ما شئت يا رباه حجزاً
كلما مديت وشديت في الدنيا الركابا
وإلى أبها بلا واسطة أرنو إليها
محرجاً واجعل دعائي يا إلهي مستجابا
هذه الفوضى ستبقى دون حل طالما لم
يجد الناس من الناس ثواباً وعقابا
يا رفاقي مالنا نزداد بعداً عن هوانا
ليت أنا من هوانا اليوم نزداد اقترابا
يا وجوه الخير يا أحلى وجوه باسمات
اعذروني إن تأخرت اضطراراً وغلابا
اعذروني فلقد قلت بأشواق المعنى
ألا ما أحلاك يا أبها وما أحلى السحابا
وأرى سودتها تزدان حسناً وجمالاً
وبها أبصرت أحلى الغيد لبنى والربابا
هذه من بعد ما ودعتكم أيام عمري
عشتها محتسباً صبري على الحر احتسابا
أحسب الساعات أياماً طوالاً يا لشوقي
أن أرى في الطائف المأنوس باب الريع بابا
احتفي بالطائف الغالي على قلبي وروحي
وإلى أبها فؤاد الصب يزداد انجذابا
وأمامي قريتي تلك التي أهوى هواها
والتي عشت بها عمراً وأعتز انتسابا
لي بها أهل وخلان وجيران ودار
وبقايا ذكريات لم أجد منها متابا
وبها أحلى وأسمى أمنياتي في حياتي
وبها أغلى الأحباء وإن صاروا ترابا
كلما قريت سلمت على أحباب قلبي
كلهم والدمع من عيني ينصب انصبابا
وترحمت عليهم حين سلمت عليهم
سائلاً ربي لهم عفواً وجنات رحابا
فلقد أدركت من أدركت منهم في شبابي
راكعاً أو ساجداً لله أو يتلو كتابا
كيف أنسى قريتي؟ هذا سؤال سوف يبقى
حائراً إذ لم يجد عندي مدى عمري جوابا
وسأبقى ما حييت العمر مشتاقاً إليها
وسيبقى كل من فيها عزيزاً ومهابا
ذكريات الطفل أو ما بعد عمر الطفل تجري
في دمي كالجدول الجاري وتنساب انسيابا
كبر الطفل وأضحى يافعاً في (الطيق)(1) يرعى
غنم الأهل مع ليلى ولا يخشى الذئابا
ولقد عشت بفضل المعتلي عيشاً كريماً
بعد أن كنت ولا زلت وسأبقى شبابا
أطرق الأبواب بحثاً عن منى القلب المعنَّى
بيد أني لم أجد لي غير باب الله بابا
(1) الطيق: أعلى جبل في قرية الشاعر