قال الله تعالى وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) سورة القلم).
وعن أنس - رضي الله عنه - قال «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقاً» متفق عليه.
لهذا جاء الشعر - فصيحه وصنوه الشعبي - بحكم فطرة شعرائه التي فُطروا عليها أوثق ما يكون بمكارم الأخلاق التي تحث على الصفات النبيلة في اختيار الصديق الكفء، وهذا ما يجب أن تكون الحال عليه ولا يرى أي إنسان سوي أن في ذلك تشرّطاً أو تَطَلُّباً أو انتقائية حالم إلا من هو غير ثاقب البصيرة، وبالتالي لا يُحكِّم عقله في حياته العابرة التي لن يعيشها إلا - مرة واحدة شاء أم أبى - وإن كان الكمال ليس من صفات البشر بأي حال يقول الشاعر أبو العتاهية:
أَتَطْلُبُ صاحباً لا عَيْبَ فيهِ
وأيُّ الناسِ ليسَ لَهُ عُيُوبُ
لهذا فالنظرة الفاحصة والذكاء الحاد ليس متاحاً لكل أحد - وهذه طبيعة الحياة منذ الأزل - وإلا لما خُدع الكثيرون من الناس باسم الصداقة - الوهمية - يقول الشاعر المتنبي:
ومَا الْخيْلُ إلا كالصَّديقِ قلِيلة
وإنْ كَثُرَتْ في عَيْنِ مَنْ لا يُجرِّبُ..!
ولن أنسى قول أحد أصدقاء والدي - رحمه الله - وهو نايف الدسم القحطاني - رحمه الله - في نصيحة أسداها لي في سنوات حياتي الأولى نصّها (عاتب الكفو.. وإلا عاتب نفسك إنك ما اخترت صديقٍ كفو) ومصداقية فحوى معنى مقولته قول الشاعر عبد الله بن صقيه:
اللي يريد الطيب يبعد عن العيب
ما ينسكن قصرٍ تبيَّن عيابه
الحر ميقاعه بروس الشخانيب
ياللِّي عليك طيور دارك تشابه
وقد دعا الأمير الشاعر محمد السديري - رحمه الله - إلى التثبُّت في تمحيص صفات الصديق وحذّر من بعض - سلوكيات الناس السيئة تحديداً - حتى لا يلتبس الأمر على من يختار الصديق بين (المظهر والمخبر):
احذر ترى بالناس مبغض وختّال
ما له مراجل كود شذب العراقيب
ولا يغرَّك بالرخم كبر الأزوال
وكبر النسور المهدفات المحاديب
ويقول - رحمه الله - في قصيدة أخرى:
إن جاء ينادمني وضيعٍ من الناس
صدّيت عنه وقلت ما انتب نديمي
ماهوب كبر وكل ناسٍ لها أجناس
وعندي عزيز النفس دايم حشيمي
ارافق اللي رفقته ترفع الراس
وياقف معي دايم بوجه الخصيمي
ويقول الشاعر عبد الله اللويحان رحمه الله:
شيّبت واليوم شايب والهدف واحد واعرف السلوم
ما احب هرج القفا ولا انقل النمّه ولا أمشي بها
ما أصادق إلا الرجّال اللِّي يفكّون الحسب واللزوم
ما نيب أصادق طيورٍ ما تعشيها مخاليبها
وحتى في مختلف ثقافة الحضارات الأخرى فإن للصداقة - الحقّة - مقاييسها الثابتة ومن الأمثلة عليها مقولة (الصديق يُعرف عند الشدّة) (Adversity tries friends) وكذلك المقولة التي تُرّددْ بسخرية هادفة في هذا الشأن (إن الطيور على أشكالها تقع) (Birds of a feather flock together).
وقفة: للشيخ راكان بن حثلين - رحمه الله - :
الذم ما يهفي للأجواد ميزان
والمدح ما يرفع ردي المشاحي
abdulaziz-s-almoteb@hotmail.com