قد يكون أخذ الصورة مجملة.. خادع ويحرمنا من التفاصيل التي قد تغير قناعة احتلت من العقل حيزاً ليس بالصغير.. وقد يشعر البعض بخيبة أمل عندما تزول الغشاوة.. مع أن اكتشاف أمر خفي حري به الاحتفاء وليس الغضب رغم ما يصاحبه من شعور بالاستغفال.
ولعل مشاعر الغيرة.. أقصد غيرة الرجل على المرأة.. أما غيرة المرأة لعلنا نفرد لها مقالاً آخر.. أليس فيها تباينٌ بين رجل وآخر؟ والسؤال الأهم.. هل هي فعلاً مشاعرٌ أصيلةٌ ونابعة من إحساس بالتجاهل.. أو العملية مجرد امتداد لحب التملك ليس أكثر.
فإن كانت الغيرة من مكارم الأخلاق تحديداً.. والرجل لا يقبل أن يزاحمه أحدٌ على عرشه عند أنثاه.. فماذا عن حقبة الزمن الماضية.. والتي قد تعود يوماً ما.. حيثُ كانت فيها الإماء تباع وتشترى.. وتنتقل بين كثير من الرجال بالمال وعلى سبيل الإهداء.. وقد تكلم الجاحظ حول تلك الثغرة في مفهوم الغيرة فقال:”لم يغاروا في الإماء.. وهن أمهات الأولاد.. وحظايا الملوك.. وغاروا على الحرائر”!
ألا تبدو الغيرة محض مزاج ونسبية ربما لا تخضع لمدى أو حدود!
ولماذا نذهب بعيداً حيثُ سوق الإماء.. كيف يقبل الرجل الزواج من ثيب؟ بحكم وجود رجل سابق في حياتها رغم مشروعية الارتباط قبله؟ فهل المشكلة في نوع العلاقة فقط.. وإن كانت التجربة نفسها شرعية أم محرمة؟
وفي جانب آخر.. ألا يمكن اعتبار الغيرة هنا دليل على زعزعة ثقة الفرد بنفسه.. وخوفه من منافس يطفئ وهج الإعجاب عنه في عيون حبيبته؟ بمعنى أن تكون ظرفية تنافسية!
غالباً لن ينكر أحد لذة الإحساس بغيرة الشريك.. رغم غموضها.. وما دعاني لمحاولة التدقيق فيها ما نراه يقترف باسمها.. ويؤدي إلى فجوة في حياة الأزواج.. قد يكون الزوج آخر من يشعر بها بعد أن تمارس الممنوعات من خلف ظهره.. ويتحول من حبيب إلى سجان غافل.
باسم الغيرة يتدخل الرجل بتفاصيل حياة زوجته.. في ملبسها هذا ممنوع وذاك مسموح.. وعلاقاتها الاجتماعية بحيث تصاحب من يراهن جديرات بثقته هو.. وعملها.. وخروجها من بيتها أو دخولها و و إلخ.
ظناً منه أنه يحمي ملكيته الخاصة..في محاولة بائسة لتغيير الحقيقة الكونية في الإرادة.. وأن الإنسان يصنع ما يريده وإن ضيق عليه الخناق حد الموت.
وبنظرة سريعة منطقية.. لنا أن نسأل: لماذا أوجد الله سبحانه وتعالى المحرمات والمباحات وترك للإنسان مهمة الاختيار بينها؟.. بعد أن منحه أدوات تمكنه من التفريق بين الصح والخطأ.. وأوجد بدائل تشبع غرائزه ولا تضره.. لماذا لم يفني كل المحرمات؟ أليست حكمة بالغة من رب خبير بصير عادل.. أفلا يكمن أن يتعلم الإنسان من ذلك درساً في الحضور الذي لا يقهره الغياب.. وإن منح الشريك الحب والعطاء والإشباع كفيل بإيجاد الوفاء.. وليس تشييد الحصون والسجون.. ومد السياج حول الحمى بكثرة المحظورات!
amal.f33@hotmail.com