فقط ليوم واحد عليك أن تستسلم للنصوص والصور والبيانات والمقالات التي تصلك عبر الواتس آب، وأعدك أن تصاب بجنون القلق وبكثير من البلبلة الذهنية بسبب سرعة المعلومات وتشابكها وتضاربها في كثير من الأحيان والشيء نفسه يقال إذا كنت من مستخدمي توتير أو أي من شبكات التواصل الاجتماعي التي
لا تنفك للحظة عن تتبع ما يستحق أو لا يستحق حول أحدث العالم والتي تزخر بالكثير هذه الأيام وخاصة بعد الربيع العربي وثوراته ومسيرة الإخوان المسلمين المحيرة في مصر وغيرها.
في ذات السياق نشرت جريدة الحياة يوم الأحد 30 يونيو 2013 الموافق 21 شعبان الحالي 1434 وعلى صفحتها الأولى أن هناك أكثر من 40 ألف حساب وهمي على شبكات التواصل الاجتماعي تديرها عصابات وهمية تبث الكثير من المعلومات غير الدقيقة والمبالغ فيها والتي يقصد منها زعزعة الأمن وإثارة البلبلة. وحذر الخبير الأمني المهندس عمار محمد في الدورة التدريبية التي ألقاها في الدمام السبت الماضي حسب ما نشر في الجريدة بأن مثل هذه المعلومات ممكن أن تخلق الكثير من القلق وتزعزع الأمن لكنه أفاد أن الدول والمنظمات العالمية لا تملك في الحقيقية مقابل ذلك أية سيطرة ولا تستطيع فرض أي قانون وأن دور الجهات المختلفة هو تحذير الأفرادعند التعامل مع هذه المعلومات ومحاولة فلترتها بقدر الأمكان خاصة وأن السعودية تعتبر من أكثر الدول في العالم (مقارنة بعدد السكان) استخداماً ونشاطا في مجال وسائل التواصل الاجتماعية وخاصة اليوتيوب والذي ترفع عليه مواد بواقع 72 ساعة لكل دقيقة كما وصل عدد التغريدات العربية على توتير 22 مليون تغريدة شهرياً.
ببساطة نحن فعلاً شعب لا يملك في ظل فقر البيئة الثقافية من حولنا وقسوة المناخ الاجتماعي والبيئي إلا أن نختبئ خلف أجهزتنا ونتسلي (متخفين) بالمتابعة والمشاركة (البطولية) بالسب والقذع والشتم طالما أن الأمر لا يكلف سوي الجلوس في مكان مكيف مع لاب تب أو جوال.
المشكلة لا تقف عند هذا الحد فربما تمكن رجل فوق الأربعين من مراجعة وتقليب بعض ما يكتب في هذا الفضاء الواسع والتفكير في بعضه في ظل خبرته الحياتية ليقبل منه ما يقبل ويرفض ما يرفض لكن كيف لصغار السن والشباب أن يفعلوا ذلك خاصة أن 70% من النشطين على مواقع التواصل الاجتماعي هم من دون سن الثلاثين كما أفادت الدراسات العالمية كما أن الذكور أكثر نشاطاً من الأناث في هذا الجانب. ومن هنا يأتي السوق السهل لاصطيادهم بواسطة هذه العصابات المنظمة التي تستغل (الهوس) السعودي بوسائل التواصل الاجتماعي فتقذف بكثير من معلوماتها وبياناتها غير الدقيقة أو الكاذبة معظم الوقت ثم لاحقاً نصحوا على صرخة.. يا إلهي: لماذا تحول هذا الشاب الوديع الذي كان يركض بيننا يوماً الى أحد الأرهابيين الذين لا يتوارون عن قتل أهاليهم في سبيل الدفاع عن ما يعتقدون أنه صحيحا؟.
سؤال كبير يطرحه المجتمع ويطرحه كل والدين ضل صغيرهما الطريق وانحرف مع هذه المجموعات المضللة..سؤال كبير بحجم المشكلة التي نواجهها مع أمة تم التعامل معها على أنها (محدودة الفهم ولا تملك التجربة التاريخية التي تتيح لها الوصول لخيارات ناضجة في المسارات الوطنية) ومن ثم فيجب مراقبتها وحجب المواقع المختلفة عنها (لأنها مثل الصغار) تحتاج إلى أن تقاد وتضرب على يدها وتعاقب على الصغيرة والكبيرة وببساطة نجد: (الموقع غير متاح)!! لتعود نفس العصابة أو نفس المجموعة لخلق مواقع جديدة كل يوم ويظل صغارنا ومراهقونا ذكوراً وإناثاً أسري لوابل من المعلومات في شتى المجالات السياسية والاجتماعية والتنموية لا مجال لفلترتها بهذه الطرق البدائية التي لا تفترض المسؤولية الفردية ولا تربي العقل الناقد ضمن الرؤية الجديدة للتربية الإعلامية التي تبنتها معظم المؤسسات الأكاديمية في العالم المتقدم.
ما يحمينا ليس هو سلطة المؤسسات الرسمية وأساليب المنع التي تتبعها الأجهزة الأمنية في عصر سطوة التكنلوجيا. يحمينا بعد الله متلق واع قادر هو نفسه على (القيام بهذه الفلترة) عبر وعيه بكيفية خلق وتشكيل المواد الإعلامية على صفحات الويب سواء تعلق الأمر بأحداث وحقائق أو وجهات نظر أو دعايات إلخ.
نحن الآن نتحدث عن ما يسمي في علم المعلومات بالتربية الأعلامية وفي دراسة نشرها هنري جينكنزن المشرف على قسم الدراسات الإعلامية المقارنة في معهد التكنلوجيا المشهور (ام اي تي) تحت عنوان التربية الإعلامية للقرن الواحد والعشرين إشار إلى أن أكثر من ثلث مراهقي الولايات المتحدة قاموا بالمشاركة بشكل أو آخر في خلق مواد على النت سواء بتحميل صور أو المناقشات في المنتديات المختلفة أو بالتواصل عبر الفيس بوك وغيره وأن الكثير من المواد المحملة هي ذات طابع فني مثل صور وأفلام وقصص وأن ضوابط المشاركة في المنتديات التي تسمح بههذ المشاركات أصبحت اليوم بيد المراهقين انفسهم وليس بأيدي المتخصصيين في المدارس والجامعات والشركات كما اعتاد العالم قبل دخول عصر الثورة التكنلوجية فيما كان يسمي بالخبراء.
اليوم طفلك أكثر خبرة منك في التعامل مع الآي فون ومواد اليوتيوب المختلفة وهو قادر على المشاركة المباشرة مع من هم في عمره أو أكبر (من يعرف أصلاً ما هي الأعمار الحقيقية للمشاركين في المنتديات المختلفة وخاصة في السعودية حيث الجميع يضعون أعماراً وهمية تتيح لهم المشاركة في ألعاب خطرة لا يسمح بلعبها على النت إلا لعمر معين؛ ويمضي صغارنا أكثر من سبع ساعات يوميا يلبعونها دون رادع).. وهو ما يخلق لديهم التباساً بين الحقيقة والخيال إضافة إلى كم المعلومات المرعبة أو الملفقة أو الإشاعات والفيديوهات التي تملأ الفضاء الافتراضي بقصد زعزعة قناعاتهم.
ما العمل إذن؟ خلق مواطن واع قادر على المناقشة وتمحيص المعقول من المبالغة وتقليب المعلومات التي تصل إليه والوصول بشانها إلى قرار عقلاني أما أن يدفعه لقبولها وتبني وجهة نظرها أو طردها من محيطه وحماية نفسه منها.
ويتلخص مفهوم التربية الإعلامية كما يحددها ديفيد كونسيداين في مقالته التي نشرها في مجلة التربية الإعلامية على أنه القدرة على: أولاً الوصول إلى المعلومات في بحر من المعلومات الدفاق ثم ثانياً القدرة على التحليل لهذه المعلومات التي تم التوصل اليها ثم ثالثاً القدرة على التقييم لهذه المعلومات في ظل منطقيتها وعقلانيتها وطرق صنعها ومن صنعها ووضعها على الويب، ولماذا وغير ذلك من الأسئلة التي لا تجعل منا متلقين سلبيين، بل مستهليكين واعين وأذكياء ثم وأخيراً وبعد كل هذه الفلترة نصل إلى الخاصية الرابعة للتربية الإعلامية وهي قدرتنا على أن نتشارك في هذه المعلومات التي قيمناها وراينا أنها تستحق أن توضع على النت أو أن نضع أسماءنا عليها أو نعرض أوطاننا من خلال نشرها أو لنماء أو تهديد. ولو تحقق لنا كطلاب أن نتعلم بهذه الطريقة لما عضت مراهقة أصبع الندم لوضعها مواد عن نفسها أو صديقاتها لا ترغب أن تعرفها أمها أو والدها ولتذكرنا أن كل مادة توضع على النت لن تكون ملك لنا منذ لحظة نشرنا لها وأن الحكومات والشركات والأفراد والعائلات سوف تحتفظ بهذه المعلومات للعودة لها وتقييمنا على أساسها متي كانت بحاجة لذلك.. ولما ربما لم تتمكن هذه المجموعات الأرهابية من النماء المذهل بيننا لو أننا عوملنا منذ كنا صغاراً على أننا مواطنون راشدون قادرون على الحكم والتحليل من خلال تضمين مناهجنا وخطب مساجدنا ومنتدياتنا الأعلامية والمعلوماتية اهم مبادئ هذه التربية الإعلامية.