يبدو الأمر طبيعياً في تحول مطالب أهالي قرية سورية إلى احتجاجات ثم مظاهرات واسعة ترفضها الحكومة رغم أنها تحقق الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية الضرورات المعيشية، ثم تصبح ثورة شعبية في كل أرجاء سوريا، فيتصدى لها نظام الأسد الدموي بالقمع والملاحقات الأمنية والقتل المباشر، فيقع الصدام العسكري بين جيش النظام والجيش الحر التابع لائتلاف المعارضة والثورة. هذا السيناريو يبدو طبيعياً ولا غرابة أو أعجوبة فيه، فواقع الحال هو بين نظام فاسد ومستبد وجماهير تتوق للحرية وتحقيق مطالبها الإنسانية، لكن العجيب هو في الأطراف التي دخلت على خط الثورة السورية، سواءً بالتحالف العسكري التام مع نظام الأسد، أو الدعم السياسي والتأييد الإعلامي لأفعاله وتبرير جرائمه.
مصدر التعجب ومكمن الغرابة هو في طبيعة تلك الأطراف، من حيث انتماءاتها القومية وولاءاتها المذهبية وعلاقة ذلك بالنظام السوري الحالي، ما يجعلك تحتار في السؤال عن المتنفذين في تلك الأطراف الداعمة لنظام بشار الأسد: هل يكذبون على العالم أم يضحكون على أنفسهم وعلى قطعانهم التابعة؟. فغني عن التعريف أن طبيعة نظام الأسد (بعثي) يؤمن بالفكر الاشتراكي، وقيادته (علوية) ذات نزعة علمانية تستبعد الدين، وتوجهه (قومي) بشعاره المعروف: (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة)، فكيف توافق ذلك كله مع تلك الأطراف؟، مع ملالي الفرس في إيران، وحزب الله في لبنان، وشيعة العرب في العراق، والحوثيين في اليمن، والناصريين في مصر، والقوميين واليسار العرب المنتشرين في أكثر من بلد عربي، إضافة إلى الشيوعيين في تركيا.
قد نفهم الدعم الروسي والتأييد الصيني في إطار صراع المصالح العالمية مع الدول الغربية في سوق النخاسة الشرق أوسطية، كما نفهم التأييد السعودي والتركي والخليجي للثورة السورية من باب الوقوف مع الحق ووقف الدم، لكن ما لا يُفهم هو اجتماع الفارسي مع العروبي، والعلماني مع المذهبي، والأصولي مع الشيوعي، والطائفي مع الناصري إلى جانب نظام القتل وآلة التدمير وسياسة الخراب، وهم يزعمون أنهم دعاة الكرامة الإنسانية وقضاة العدالة الاجتماعية. إن هذه الخلطة العجيبة التي كشفتها الثورة السورية خلال مسيرتها المظفرة إن شاء الله تفضح الدجل السياسي والنفاق الديني اللذين تمارسهما تلك الأطراف بحجة مقاومة الاستكبار العالمي أو الاستعمار الإمبريالي الذي لا يعيش إلا في نفوسهم الخربة وعقولهم المضطربة. فلك أن تلاحظ كيف جمع نظام الأسد أبعاد التأييد المختلفة في دائرة حربه ضد الشعب السوري، فهناك (البعد المذهبي الطائفي) في اجتماع ملالي إيران وشيعة العراق وحوثيي اليمن وحزب اللات في لبنان، مع (البعد الفكري الأيديولوجي) في اجتماع بعث سوريا وشيوعي تركيا واليسار والماركسيين العرب، مع (البعد العروبي القومي) في اجتماع ناصري مصر مع القوميين في الشرق والمغرب العربيين. أليست خلطة عجيبة تعمل في رأس حربة واحدة؟.
فهل يعقل أن نجد الشيوعي العربي يساند الأصولي الإيراني في قضية واحدة؟ وهل يعقل أن الناصري السني يخدم في المشروع الفارسي الصفوي؟ وهل يقبل العلماني البعثي أن يكون تحت راية الطائفي الشيعي؟ كيف سقطت الشعارات القومية؟ وكيف تحطمت الحواجز المذهبية ؟ خاصة ً أن الأطراف القومية والشيوعية والناصرية لا تمل من التنديد بأنها تحارب الإمبريالية العالمية الداعمة للمشروع الصهيوني، رغم أنها تعلم أن هذه الإمبريالية هي حليفة المشروع الصفوي والمتحكمة في الحكومة الطائفية في العراق.
moh.alkanaan555@gmail.comتويتر @moh_alkanaan