أصبح الاهتمام بالمتاحف المختلفة في مظاهرها سواء المتاحف العلمية أو الفنية أو الرياضية ..الخ, اتجاهاً حضارياً, ومطلباً مجتمعياً ومنطلقاً ثقافياً .. تكرّس مفهومة المجتمعات الواعية .. وتشكل في ذات الوقت مرآة حقيقة للشعوب والحضارات .. تحكي قصة نجاح, وتؤّرخ لنشاط حضاري لكل ما أبدعته العقول والأدمغة من نتاج فكري وثقافي وفني ورياضي.. وهي أيضاً نافذة تاريخية مهمة نطل منها على الماضي العريق ونستقرئ الحاضر ونستشرف المستقبل.. لذلك باتت المتاحف ليست مكاناً للترفيه فقط, بل مكاناً يجمع بين الثقافة والتعليم والتراث والمعرفة, وتحمل رسالة إنسانية تؤسس ثقافة المتحف أو الوعي المتحفي .. تقوم بتجميع المقتنيات الثرية والأشياء النادرة والمواد الثمينة التي تفوح منها رائحة عبق الماضي.. فتزداد قيمتها كلما مرّ عليها الزمن .. وهناك عشرات الآلاف من المتاحف في جميع أنحاء العالم تهتم بجمع الأشياء ذات قيمة علمية , فنية وذات أهمية معيارية تاريخية وجعلها متاحة للزوار من خلال المعارض التراثية والأمكنة التاريخية.. التي قد تكون دائمة أو مؤقتة، لما لها من دور هام في تثقيف الزوار والارتقاء بالذوق الفني بوسائله المختلفة ومعطياته التراثية بعمقها التاريخي وبعدها الثقافي, فضلاً عن توثيق العلاقة بين الإنسان وتاريخيه , وتعميم الثقافة ونشر المعرفة, وتشجيع التغيرات الاجتماعية المرغوبة التي تساهم في تحقيق التنمية داخل المجتمعات.. ولطالما دأبت الدول على إنشاء المتاحف إدراكاً منها بأهميتها في المحافظة على التراث , وتشكيل الشخصية المعرفية , وصقل الهوية الثقافية للأجيال , ولم تنحصر أهمية إنشاء المتاحف على الناحية الثقافية فحسب, بل أصبحت معلماً حضارياً لبلداً ما، ورمزاً مهماً من رموزها, وعاملاً محفزاً للجذب السياحي، وبالتالي مصدراً جيداً من مصادر الاقتصاد لكثير من الدول.
- رياضياً، معظم الاتحادات الرياضية الأوروبية اتجهت بوعي فأنشأت متاحف رياضية تضم مقتنيات نادرة وأدوات رياضية قديمة وصوراً تاريخية عمرها يتجاوز قرناً من الزمن .. فالاتحاد الإنجليزي لكرة القدم الذي تأسس عام 1863م وانضم للاتحاد الأوروبي عام 1905م,أسس متحفاً رياضياً يضم وثائق رياضية وصوراً نادرة ومحتويات تاريخية ومقتنيات ثرية عمرها يتجاوز مائة عام, والاتحاد الألماني لكرة القدم الذي تأسس عام 1900 والتحق بالفيفا عام 1904 يضم داخل دهاليزه متحفاً رياضياً مدعماً بالمقتنيات التراثية وأشياء متنوعة من شعارات الأندية وميداليات وكور وأطقم، وغيرها من مكوّنات التراث الرياضي تعود لحقبة زمنية تتجاوز العقود الثمانية وتحظى بمتابعة وكثرة الزوار من شعب يعشق الرياضة وتراثها الثقافي..كما اتجه النادي الأسباني المخضرم برشلونة الذي تأسس عام 1899م إلى حفظ تاريخه ومنجزاته ومكتسباته في متحف تاريخي تراثي عصري.. يعرض جانباً من المقتنيات عمرها أكثر من مئة عام من تاريخ النادي وتشمل جميع الكؤوس والجوائز التي حصل عليها النادي , بالإضافة إلى الصور النادرة وبعض المواد الرياضية التي استخدمت في بعض المباريات التاريخية للنادي الكتالوني وبعض العروض البصرية والسمعية ..تمثل تاريخ النادي ومراحل تأسيسه ومنجزاته ورموزه وأشياء تاريخية تتحدث عن مسيرة النادي الأسباني من القرن التاسع عشر حتى الآن.. مجّهز بشكل أكثر احترافية , وعربياً أنشأت قطر أكبر متحف رياضي في العالم كمشروع عملاق ..يضم أرشيف تاريخ الحركة الرياضية الذي بدأ في الأربعينيات الميلادية من القرن الفائت ويعرض التراث والتاريخ الرياضي القطري، ويضم المتحف الذي صممته الشركة التي قامت بتصميم المتحف الأولمبي للنادي الأسباني ( برشلونة ) ..قاعة محاضرات تقدم ندوات علمية وثقافية وتاريخية.. كما يشهد المتحف إقامة المهرجانات الترفيهية والمسرحيات الترويحية للعائلات.. ويهدف المشروع القطري إلى تشجيع السياحة وخاصة السياحة الرياضية في قالبها المتحفي, ومعروف أن المجال الرياضي يعد مجالاً خصباً لكثير من الأعمال السياحية والاستثمارية والاجتماعية والترويحية بسبب تنوع الأفكار والنشاطات والفعاليات والبرامج المختلفة التي من الممكن تبنيها.. ولذلك ينبغي أن تتجه بوصلة الرئاسة العامة لرعاية الشباب.. إلى إنشاء( متحف رياضي) متكامل ومجهز بشكل حضاري يحفظ - من جهة - المقتنيات الثرية , والمواد التراثية , والصور التاريخية التي تحكي تاريخ الحركة الرياضية بالمملكة, وتشجيع السياحة الرياضية المتحفية من جهة أخرى.
Twitter@kaldous1