فاق إنفاق المملكة بالاقتصاد خلال السنوات السبع الماضية بما فيها موازنة العام الحالي الستة ترليونات ريال، بهدف رفع معدلات النمو وتنفيذ خطط التنمية المستدامة بكافة مناطق المملكة، وبالمقابل فإن عدد من تم توظيفهم خلال هذه الفترة قد يفوق 600 ألف شاب وشابة. الا ان معدلات البطالة الى الآن تفوق 10 % وانتهجت وزارة العمل خطة احتوت على برامج تهدف لتسارع توظيف الشباب شكل الإحلال مكان الوافدين جزءاً كبيراً منها كتأنيث محلات المستلزمات النسائية
او اختصار شغل بعض الوظائف على السعوديين بقطاع التجزئة والأمن الخاص بالمنشآت، إلا ان كل ذلك لم يفلح بخفض البطالة، بل ان عدد من تسرب من مجمل ما تم توظيفه قارب ثلث العدد الكلي لمن تم توظيفهم خلال الفترة الماضية، نتيجة شعورهم بأن هذه الأعمال طبيعتها مؤقتة ودخلها غير مرتفع بما يكفل توفير حياة كريمة لهم، لكن خلق وفتح فرص العمل ليس مسئولية وزارة واحدة، بل هو خطة متكاملة تشترك بها وزارات عديدة وتبنى عليها توجهات الإنفاق التي تفتح الباب لزيادة الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد وإنتاج السلع والخدمات محلياً من خلال جذب الاستثمارات وتمويلها وبذلك تستطيع ان تفتح مئات الآلاف من الوظائف وليس بالاعتماد على الإحلال الذي لا يشكل حلاً كافياً للمستقبل. فهل ما تم ضخه من أموال واعتماده من مشاريع لم يصل الى مرحلة إيجاد فرص عمل بالقدر المناسب للاقتصاد واحتياجاته، إن الجواب على هذا التساؤل يقودنا الى النظر بحجم الزيادة بأعداد الوافدين خلال فترة الإنفاق الكبير والذي بوضح بأن ملايين الوافدين قد دخلوا سوق العمل لدينا، مما يعني ان الأثر الحقيقي لفتح فرص عمل كان واضحاً لكنه اتجه لعمالة مستقدمة من الخارج بنسبة كبيرة، وقد يكون جزء من الأسباب مبرراً كون جل الوظائف بأعمال مهنية بقطاع المقاولات لا يوجد سعوديون يشغلون مثل هذه الوظائف مما يعني ان الإنفاق تركز بأعمال التشييد والبناء، وان الانتهاء من هذه المشاريع سيفتح فرص عمل لكن جلها ستكون بأعمال التشغيل لهذه المنشآت من مستشفيات ومدارس وغيرها، وهذا يعني ان الفرص التي ستتولد هي وظائف حكومية وهذا سيزيد من أعباء الميزانية ببنود الرواتب والتشغيل والصيانة التي تستأثر بقرابة نصف الموازنة المعتمدة منذ سنوات، وبالتالي لن يكون هناك ارتفاع بالإيرادات غير النفطية مما يبقي الميزانية تحت ضغط أسعار النفط وتأثيرات وضع الاقتصاد العالمي غير المستقر. كما ان توجهات الإنفاق لتطوير البنى التحتية ورفع حجم ومستوى الخدمات يهدف بنهاية المطاف لجذب الاستثمارات وتلبية الطلب المحلي، وهذا ما سيرفع من حجم التوظيف بشكل عام لكن ذلك لم يتحقق بالنسبة المطلوبة الى الآن، فمازالت واردات المملكة كبيرة وتقارب 500 مليار سنوياً نتيجة الإنفاق الحكومي الكبير بل ان ذلك انعكس على رفع الاستهلاك المحلي وأثر بمعدلات التضخم ارتفاعاً. وبالرغم من اعتماد مشاريع مدن صناعية واقتصادية وتطوير القائم منها الا اعدد المصانع بالمملكة بمختلف أحجامها بالكاد يصل الى خمسة آلاف مصنع ومازالت معوقات كثيرة تواجه رفع عدد المصانع بالمملكة، رغم وجود جهود كبيرة لجذب الاستثمارات فالتمويل استمر بأساليب تقليدية بل ان الركيزة الأساسية فيه تعتمد على صناديق حكومية لأن القطاع المالي السعودي محدود قياساً بحجم الطلب فكل الثقل يقع على البنوك التجارية وهذا يرفع من المخاطر عليها ولم يتم فتح الباب أمام بنوك متخصصة بالتمويل لقطاعات اقتصادية الا بمجالات محدودة بعضها لم يبدأ بعد بالحجم المطلوب كالتمويل العقاري بينما تغيب البنوك المتخصصة بالتمويل الصناعي او غيره ولا يوجد للآن مستويات مقبولة لتدفق رأس المال الجريء، ويبقى تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة بمستويات ضعيفة إلى الآن، رغم ان هذه المشاريع تعد بوابة الوظائف الكبيرة بأي اقتصاد. ان إصلاح الخلل بتوجهات الإنفاق للقطاعات التي تفتح فرص العمل وجذب الاستثمارات يعدان التحدي الأكبر للمرحلة القادمة بالاقتصاد المحلي وهما مصدران رئيسيان لتنويع الاقتصاد وتخفيف الأعباء على الميزانية مع تطوير أساليب التشغيل للمنشآت وتوسيع دور القطاع الخاص والأسلوب التجاري فيها، والتركيز ليس فقط على التوظيف بل رفع مستويات الدخل لينشط الاقتصاد إنفاقاً واستهلاكاً بما يشجع على زيادة الإنتاج المحلي، كما ان تركيز التمويل الحكومي والترخيص لصناعات تحويلية تعتمد على المنتجات البتروكيماوية المنتجة محلياً بكميات كبيرة هو السبيل لتوفير ملايين فرص العمل مستقبلاً وتعزيز ذلك برفع مستوى الاقتصاد المعرفي والبحثي الذي يستوعب الخريجين السنويين من جامعات ومعاهد المملكة والمبتعثين، فلابد من ان تتوسع كافة القطاعات من خلال تغيير اسلوب التخطيط الاقتصادي ووضوح اتجاهاته. ويبقى لقياس كفاءة الإنفاق ومراقبة أثره على الاقتصاد وهل يصب في مصلحته الحالية والمستقبلية هو البوصلة الحقيقية التي ستصحح اي خلل يعتري الاقتصاد، ويعزز من الفائدة لكل ريال ينفق وأين يتجه، وكل ذلك يجب ان يكون مدعوماً برقابة وشفافية عالية ومكافحة للفساد والبيروقراطية لتحقيق الكفاءة التي تنعكس على التنمية والعدالة الاجتماعية بتوزيع الثروة ووصول أثرها.