يخيّل للقارئ الكريم لأول وهلة أنني أتحدَّث عن بعض العاملين في الرياضة من مُوظَّفين رسميين في الاتحادات الرسمية أو إعلاميين في مختلف قنوات الإعلام أو فنيين حتَّى إداريين في الأندية.
كل من سبق ذكرهم لهم شخصياتهم الاعتبارية (بغض النَّظر عن جدارة الموصوف بحمل تلك الصفة) ويشغلون حيزًا في هذا الوسط يجعلهم يفيدون أو يستفيدون من هذا التواجد، كل حسب مدى تأثيره وأهميته وبروزه.
وفي خضم كل هذه المعادلة المتشابكة يتم نسيان (أو تناسي) الوقود الحقيقي الذي يحرك هذه العجلة ألا وهو الجمهور الرياضي.
فعلى الرغم من أن كل الأطراف التي تَمَّ ذكرها تدّعي أنَّها تعمل للجمهور ومن أجل الجمهور، وتتغنى بأن سعادتهم هي المرام، ورضاهم هو الغاية والهدف الذي تواجدوا من أجله. فالجمهور (متى صحّت مزاعمهم) مثل نجم الحفل الذي أقيم على شرفه ووضع كرسيه خارج قاعة الاحتفالات، وعند البدء بالتهام الوليمة التي أعدت تكريمًا له (كما يقولون) لا يجد له مكانًا بعد أن احتله كل الحضور سواه. فينتظر جانبًا لحين فراغهم ليقتات على ما تبقى من فتات، فيرحل المحتفين متعانقين ويبقى المحتفي به وحيدًا يتساءل عمَّا جرى قبل قليل!
فالعاملون الرسميون في الاتحادات مشغولون بالمناصب والتصريحات التي تَضمَّن لهم ظهورًا إعلاميًّا أفضل، والإعلاميون يبحثون عمَّا يزيد مبيعات مطبوعاتهم ولو تطلب ذلك اللعب على مشاعر الجماهير العاشقة متجاوزين المصلحة العامَّة أو ما قد ينتج من مساوئ بسبب هذا العبث العاطفي.
والأندية بإداراتها ونجومها بعيدون تمامًا عن ذلك الكوكب الذي يعيش فيه هذا الجمهور، فلا تواصل حقيقي ولا حراك جماهيري يعود على الأطراف جميعها بالفائدة. فالكيانات الرياضيَّة (بحد زعمي) هي المؤسسات الخيرية - الربحية الوحيدة التي من الممكن أن تكون الأنموذج الأبرز والأكمل في المجتمع. فالشريحة المستهدفة واسعة جدًا، وتعلق تلك الشَّريحة بهذا الكيان لا محدود.
وبقليل من التوظيف الجيِّد والتفكير الخارج عن المألوف نستطيع تكوين دوري حقيقي وفعَّال خيري- ربحي لهذه الكيانات. ففي الجانب الخيري لا يجب أن يُكتفى بزيارة نجمين أو ثلاثة لأحد المستشفيات أو الجهات الخيريَّة (التي يغلب عليها التصنَّع وكثرة الفلاشات)، أو حتَّى بتقديم دعم مادي.
لِمَ لا نستبدَّل تلك الزيارات بإقامة مناسبات شهرية أو حتَّى ربع سنوية على شرف تلك الفئات التي تستحق الدَّعم وتكون بالمشاركة بين الجمهور والنجوم بإقامة فعاليات رياضيَّة أو ترفيهيَّة يتم تسويقها تجاريًا بِشَكلٍّ مناسبٍ يربح منها النَّجم والنادي والجهة الخيريَّة على حدِّ سواء دون هضم لحق ذلك المشجَّع الذي التقى بنجمه وتبرع لأخيه واستمتع بوقته؟
لِمَ لا تفتح الأندية أبوابها لجماهيرها (بمقابلٍ ماديٍّ) إما في مقراتها أو في متاجرها للالتقاء بنجومها والتصوير معهم ومع أحد الكؤوس أو الدروع التي يختارها هذا المشجِّع؟
لماذا لا يُقام قبل المباريات النهائية أو الجماهيرية فعاليات يشارك بها الجمهور (حتى وإن كان بمقابل يسهل دفعه) يحصل على إثرها الفائزون على دعوة خاصة لما خلف كواليس اللِّقاء قبل بدئه وخلاله وبعده؟
متى تَتَغيّر نظرة هذا الوسط الرياضي لذلك المشجَّع البسيط على أنَّه مراهق طائش يلاحق قطعة جلد منفوخة حيثما ذهبت إلى عميلٍ ذهبي يجب تلبية مطالبه والبحث عن كل ما يجعله يتمسَّك بهذه الصناعة بِكلِّ قُوَّته لدرجة الانصهار فيها لتصبح جزءًا من حياته واهتمامه؟
أسئلة كثيرة وأفكار أكثر يسهل تطبيقها متى ما رجحت كفَّة (المصلحة العامَّة) على كفَّة (الأنا)، فهل من مجيب؟
بقايا..
- الانتماء والعشق والتفاعل الحقيقي كلّّها احتياجات بشرية تستطيع الرياضة سدّها لتنتج لنا إِنسانًا بصحة نفسية واجتماعيَّة أفضل.
- اختفى مفهوم (النَّجم هو ملكٌ لجمهوره) من أذهان غالبية النجوم، فأصبح يتأفف من المعجبين ويتحاشى مصادفتهم أو التَّحدُّث معهم. ألا يمكن أن نصف هذا بالجحود باتجاه من رفعه لمرتبة النجم؟
- أنديتنا عبارة عن مناجم ذهب مهجورة، لم يكلِّف أحد نفسه للتنقيب في أغوارها، إما كسلاً أو جهلاً أو خوفًا من مُجرَّد ابتعاد بقعة الضوء عنه.
- لا توجد شركة أو مؤسسة في بلادنا لا تعي ما تمثّله الرياضة من صناعة مربحة لأقصى حدٍّ، ولكن العوائق البيروقراطية والرجعية تخيفها حتَّى من مُجرَّد الاقتراب منها.
- المثال الأمريكي في تحويل الرياضة إلى صناعة يقبع أمامنا وبين أيدينا راجيًا منَّا أن نلتقطه فقط، ومن يبحث فيما حققته كرة القدم هناك بالرغم من أنَّها لا تحظى بقدر كبير من الشَّعبية سيتأكَّد أننا لم نتحرك ولو خطوة واحدة في عالم الاستثمار الرياضي.
خاتمة..
أطلّ علينا مجدَّدًا شهر الرَّحمة والغفران والعتق من النَّار، سائلين الله أن يبلغنا إيَّاه لا فاقدين ولا مفقودين وأن يبارك لنا فيه ويعيننا على صيامه وقيامه، طامعين في رضاه وغفرانه وحسن جزائه.
كل عام وأنتم بخير
Twitter: @guss911