علمنا التاريخ أن الزمن لا يعود أبداً للوراء. بعد سقوط حكومة مرسي في 30 يونيه ورسم خارطة طريق جديدة للمرحلة الانتقالية واجتماع أقطاب مصر وتسمية رئيس مصر المؤقت وإيقاف العمل بالدستور بدأ للبعض أن ترتيب الأمور بهذه الصيغة قد ضمن سلاسة الخطوات القادمة وأن بضعة أسابيع قادمة كفيلة ببناء دولة المؤسسات والمجتمع المدني التي ينشدها الشعب المصري.
في المقابل لا زال يصر أنصار الرئيس المعزول على ضرورة عودة رئيسهم بحجة أنه رئيس منتخب وتم عزله بالقوة رغم أن إرادة الشعب هي العامل الحاسم الذي أدى إلى التغيير.ورفض الأمر الواقع من قبل جماعة الإخوان أدى إلى ارتفاع وتيرة مهرجانات التحريض والتهييج في رابعة العدوية من قبل مرشد الإخوان محمد بديع وبعض قيادات الجماعة أمثال خيرت الشاطر ومحمد الكتاتني ما أدى إلى تحويل المشهد إلى صورة ممزوجة بالدماء الزكية إثر انفراط عقد العنف وتصاعد روح الانتقام انتصاراً للجماعة حتى ولو كانت هذه الأفعال في ماسبيروا وغيرها ضد المصلحة العليا لمصر.
في اعتقادي فإن كلا التصورين بعيدان عن الواقع فلن تتم تنظيمات الدولة الانتقالية بسهولة إذ سيعترض طريقها الكثير من الصعوبات والعقبات في مجتمع عربي لم يتشرب الروح الديمقراطية، وليس لديه القدر المعقول من تقبل الآخر المخالف، يتحرك بتثاقل مقيدا بأغلال شهوة الانتقام والثأر وحب التفرد والتسلط وتقديس الأنا مشوب بالجهل والفهم المقلوب لكثير من الأحداث في بلد يعج بتعدد الأديان والمذاهب والأطياف.
وعلى الضفة الأخرى تبدو عودة الرئيس المعزول مستحيلة إن لم تكن غير واردة أساساً لأسباب كثيرة منها ما اعترف به مرسي نفسه من أنه ارتكب عشرات الأخطاء في سنة، فكيف سيكون الحال بعد أربع سنوات، ومنها ما سجله المراقبون من أن ضعف الخبرة وأحادية الرأي أدتا إلى اقتراف أخطاء كثيرة جداً معظمها بدائي في عالم السياسة مثل الإقصاء وقصر معظم التعيينات على أعضاء الحزب الإخواني، وتحويل رئيس الدولة إلى أداة تنفيذية في يد المرشد يزوّده بتوجيهاته ويكتب له خطاباته وهو الأمر الذي فضحه مقطع الفيديو المسرب من داخل مقر جماعة الإخوان المسلمين، إضافة إلى فرض دستور مفصل على جماعة الإخوان لم يأخذ في اعتباره مطالب الأغلبية ما أدى إلى إحجام الكثيرين عن التصويت عليه، لذلك لا بد أن يسعى المصريون للانخراط في عملية التغيير من أجل مصلحة وطنهم، وتناسي أحداث الماضي.
في هذا الوقت بالذات يجب النظر للمرحلة الجديدة “مصر ما بعد مرسي”، وكي تسير العجلة بصورة أفضل لا بد أولاً من السعي لاستتباب الأمن فبدونه لا يمكن أن يتحقق أي شيء وليشيع الأمن لا بد من فرض الحزم والقوة في تطبيق القانون على كل خارج عن السياق العام، وإحكام الجيش لسيطرته على كافة الميادين، ومصادرة الأسلحة من العابثين، وتشكيل حكومة ترضي كل الأطراف المتعقلة ومن الكفاءات الذين يزخر بهم البلد، والتركيز بخاصة على ضخ وزارة الاقتصاد بالكفاءات القادرة على النهوض باقتصاد مصر الذي شهد في الفترات الماضية انحدارا خطيراً.
ثمة أمور ستجعل المرحلة القادمة أفضل مثل المصالحة الوطنية، وصياغة الدستور بكيفية تلبي مطالب الناس وتحقق توجهاتهم. الاستفادة من أخطاء مرحلة مرسي ستجعل الفترة القادمة أفضل بشرط العبور بالبلاد بأسلحة الحكمة والصبر وتغليب المصلحة العامة.
Shlash2010@hotmail.comتويتر @abdulrahman_15