لا شيء يُظهر “الغباء السياسي” مثل تفويت الفرص، ولا شيء يكشف المؤدلجين “المتجمّلين” مثل المواقف الحاسمة، ولا شيء يبيِّن مكر المتأسلمين ومن جعلوا السياسة صنماً يقرِّبهم إلى الله مثل ما جرى في مصر الغالية يوم 30 يونيو وما تلاه.
نعم سقط حكم الإخوان، ليس لأنه حكم فاشل فحسب، بل لأنه حكم جاهل أيضاً، إضافة إلى أنه حكم يتستر بالدين وهو أيضاً حكم مخادع، وليس لأن رجالات التنظيم إرهابيون فقط،
بل أيضاً مطامعهم تجاوزت التنظيم ودمرت الأسس التي قامت عليها جماعتهم أيام مُقدَسهم الأستاذ حسن البنا رحمه الله.
لماذا جاهل وفاشل؟ جاهل لأنه لا يعرف حقيقة السياسة في الداخل والخارج، ولا يعرف التوازنات ولا يدرك حجم البلد الذي تسلّم السلطة فيها، وتعامل مع السياسة بنظرة الواعظ لا بنظرة السياسي، هذا الحكم بجهله كاد أن يؤذي الأمن القومي المصري، وهذا ليس كلامي، بل تقارير استخبارية مصرية وغير مصرية محايدة ذكرته، والجهل يصل قمته عندما يسارع التنظيم في فرض رؤية الجماعة على دولة، وليست أي دولة، وذلك من خلال ما يُسمى بـ”الأخونة” وهي تعيين الموالين للتنظيم في الوظائف الحساسة والهامة دون الأخذ بالاعتبار أن هذا الأمر سيثير الدولة المتنوِّعة والتي اعتادت على التعددية في كل عصورها حتى تلك التي تُوصف بالأكثر تشدداً وديكتاتورية، كما تبيَّن الجهل في التعاطي مع الأزمات، ولعل آخرها ما سبق وتلا ثورة 30 يونيو، من خطب طويلة، وعظية، وخالية من أي مضمون ألقاها الرئيس المعزول، إلى مساعدين جهلة لرئيس الجمهورية ورطوا النظام بأخطاء كارثية آخرها طلب العون العسكري من الغرب لحماية شرعية مرسي! وما يدلّل على الجهل كثير ومثير ولا يتسع المجال لذكر أكثر مما ذكر.
أما الفشل فهو عنوان المرحلة، ولعلنا شاهدنا اللوحات التي رفعها ثوار 30 يونيو والتي كتبوا عليها “ارحل يا فاشل”، لأن الفشل ظهر منذ اليوم الأول عندما لبس السيد مرسي تاج الديكتاتورية معلناً نفسه صاحب الحل والربط، وجعل كل السلطات بيده، وحاول ملاعبة الجيش، ليستفرد بالبلاد هو وجماعته الخاضع لها، وتناسى الرئيس الفاشل أنه جاء بالصندوق وبأصوات ليست كثيرة، وهي النصف وأكثر بقليل، وهذه نسبة تعني أن هناك عدداً كبيراً لم تنتخب مرسي ومعارضة له، ويتطلب ذلك انتهاج سياسة التقريب والاحتواء وخلق أجواء ديموقراطية حقيقية، وهذا لم يحدث وما حدث العكس تماماً، حيث تفرّغ الفشلة لملاحقة الإعلام، وتكميم الأفواه، والتضييق على المعارضين، وجعل الصوت الأعلى للإخوان، ويظهر الفشل من الوعود التي أطلقها لكنها بقيت حبراً على ورق، ولم ينجح بأي عمل موعود، والشعب يتأذى من اقتصاد منهار، وخدمات متهالكة، وبطالة مستشرية، وأمن شبه معدوم.
رجالات التنظيم إرهابيين وما عليكم سوى مشاهدة خطاب مرسي الأخير، وخطب التهديد والوعيد التي أطلقها مرشدهم محمد بديع، وما قاله البلتاجي الذي تهجم على الجيش المصري بأن عودة الإخوان هي الحل للأحداث الأمنية بالغة التعقيد والخطورة التي تعيشها منطقة سيناء وأيضاً ما قاله صفوت حجازي من تهديد مباشر، ورغبة بالتصعيد من أجل إعادة مرسي، في ظل أعمال عنف يرتكبها المنتمون لهذا التنظيم، ومنها رمي المعارضين لهم من أسطح العمارات في الإسكندرية، واستخدام الأسلحة النارية، والاعتداء على رجال الشرطة والجيش، والكذب والتزوير والتلفيق، باستخدامهم لصور أطفال قتلى في سوريا ومحاولة تضليل الرأي العام الغربي والعربي، وتأجيج المشاعر وتشويه الشعب الذي ثار ووقف معه الجيش.
أما رابعة العدوية فرع السعودية، ورابعة العدوية هو المسجد الذي يتجمّع حوله أنصار الإخوان المسلمين، أما فرع السعودية فهم ثلاثة أنواع، الأول: وعاظ وأكاديميون ومثقفون ينتمون فكرياً أو عاطفياً أو تنظيمياً للإخوان المسلمين، وهذا النوع واضح لكنه غير صريح، فلا يتحدثون عن هذا الانتماء، ويعتبرونه من الأسرار التي لا يمكن كشفها، والسبب معرفتهم للنظرة الشرعية لهذه الجماعة من قبل علماء المملكة الكبار المنتمين للهيئات الشرعية الرسمية، أو غير المنتمين لها، كما أنهم سيكونون عرضة للمساءلة القانونية نظراً لارتباطهم بتنظيمات خارجية. أما النوع الثاني: فهم الأتباع المؤدلجون الذين جندهم العابثون، وغرسوا فيهم الكراهية لبلادنا، والتشكيك في شرعيتها، تحقيقاً للمقصد الأهم بزعمهم وهي دولة الخلافة التي تجمع الأمة الإسلامية، إضافة إلى أن هؤلاء يعبرون عن وجهة النظر الدينية المتطرفة لغرض المعارضة السياسية والمزايدة على الدولة. النوع الثالث: هو من يمكن تسميتهم باللهجة العامية “مع الخيل يا شقرا” أي أنه يستمع لما يقوله الوعّاظ ويلبي النداء، حباً في الدين لكنه يجهل الحقائق، فلا يقرأ ولا يبحث، ويعتمد على ما يُروى له من المشنعين والدجالين، وهؤلاء ضحية التعليم وضحية المجتمع وضحية الأفكار التي يطلقها الوعّاظ الذين يستخدمون التشدّد في معارضتهم السياسية.
طوال الأيام الماضية ظهر حجم الشحن الديني والعاطفي، والذي ينفجر لتصيب شظاياه أصحاب الرأي المخالف لما يُسمى بالتنظيمات والأحزاب الإسلامية، وخصوصاً هنا في السعودية، البلاد التي عانت من الإخوان المسلمين، وحبست آلامها حرصاً على وحدة الصف، رغم أن الإخوان في السعودية تسببوا في مآس كثيرة لهذا البلد المؤمن، رغم أنها فتحت ذراعيها لهم ولم تبخل عليهم، ووفرت لهم الحماية والعيش الكريم، ولم تمن عليهم، ولم توظّفهم لخدمة مصالحها، وعاملتهم بصفتهم العلمية والدينية والوعظية كجزء لا يتجزأ من نسيج مجتمعنا المسلم السعودي المحافظ.
سقط مرسي وسقط حكم الإخوان، لكن لم يسقط الإسلام.. فالإسلام ليس تنظيماً، ولا حزباً كاذباً يعقد التحالفات مع من كان يتشدق بسبهم وشتمهم طوال السنين الماضية، الإسلام ليس حزباً يطلق الوعود، ويشحن الشباب، ويستخدم الدين ويشوّهه، وهو يكذب، والإسلام ليس حفنة من الشتَّامين والسبَّابين والبذيئين الذين يزعمون تطبيق الشريعة وهم أكثر الناس مخالفة لها ولأحكامها المطهرة.
سقط مرسي الذي يدافع عنه من كانوا يضعفون الأحاديث الشريفة التي تحض على طاعة ولي الأمر وعدم الخروج عليه، ها هم اليوم يستخدمون الأحاديث، ولكن في غير موضعها فما حدث للإخوان ليس خروجاً على الحاكم، بل إن الحاكم أسقط نفسه وكان في طريقه لإسقاط الدولة بجهله ورعونته، ولو كان خروجاً على الحاكم لما تحرّكت القوات المسلحة المصرية لحماية الشعب، فالجيش في مصر ليس لعبة بيد أحد، وليس طرفاً في السياسة.
الرجاء من كل المدافعين عن الإخوان المسلمين في السعودية وخصوصاً من إخواننا الكرام الذين ليس لهم ارتباط عاطفي أو تنظيمي عن قناعة بهذا التنظيم الإرهابي، أن يراجعوا أنفسهم، فهؤلاء لا يشبهون مشايخنا الكرام الفضلاء سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، وسماحة الشيخ العثيمين وسماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ وفضيلة العلاَّمة الشيخ صالح الفوزان، وكل أصحاب الفضيلة الكرام الفضلاء، أهل العلم والتقوى والمشهود لهم بالصلاح، الإخوان تنظيم خطير، ومن يقف بوجهه ينتصر بإذن الله لدينه.
تقبّل الله صيامنا وقيامنا.
Towa55@hotmail.com@altowayan