ما حدث في مصر هو أقرب إلى الانقلاب منه إلى الثورة، فقد أظهر المجتمع المدني المصري احتجاجاً من حكم الأخوان في مظاهرات غير مسبوقة، ولبى الجيش سريعاً رغبتهم في الانقلاب على الرئيس المنتخب ديموقراطياً، ولكن هل الوضع في مصر قبيل الانقلاب كان صحيحاً، أم أنه كان وضعا قابلا للانفجار في أي لحظة في مستقبل الأيام، بسبب عدم الاتفاق مسبقاً على قواعد اللعبة السياسية قبل الخوض في مرحلة الديموقراطية.
عاد المصريون إلى الميادين وطاولات الحوار مرة أخرى، لمحاولة الاتفاق من جديد على مبادئ ثابتة وغير منحازة في الآلية الديموقراطية، ويعتبر هذا الصراع المزمن ليس خاصاً بمصر، بل هو قضية عربية وإسلامية، يختصم بسببها كثير من العرب والمسلمين في أوطانهم عن حدود العلاقة بين الدين والسياسة، ولم تصل الشعوب بشكل نهائي إلى تصور لهذه العلاقة، ومن أجل تصور أفضل لهذه الأزمة السياسية سأطرح بعض التساؤلات.
هل يصح الخوض بحزب يمثل طائفة دينية في انتخابات محلية في وطن تتعدد فيه المذاهب والطوائف؟، وقبل ذلك هل نزل وحي من الله عز وجل في الإمامة؟، وهل تلزم تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم في إدارة الشئون السياسية الحاكم في البلاد المسلمة؟ وهل على الحاكم الحصول على فتوى شرعية في أمور السياسة المستجدة كالاتفاقيات الدولية في السياسة والاقتصاد والتجارة، وغيرها، وهل يصح أن يكون في الوطن تراتبية دينية؟، أي أن تحكم جماعة دينية لها رؤية محددة مختلف فئات وطوائف المجتمع لأنها تعتقد أن منهجها وتفسيرها للدين هو الصحيح، وأنه الحق الذي يجب أن يُتبع، وهل المتفقة في الدين أفضل من غيره في إدارة شؤون البلاد في القضاء والاقتصاد والسياسة.
وهل يصح أن يكون للبلاد مفتٍ أو مفتون أو مرشد له حق التوجيه والإرشاد السياسي في شئون الأمة، ويملك سلطة أعلى في تحديد الإسترتيجيات العليا للوطن، ويكون من مهماته أن يوجه رئيس الحكومة ووزراءه على تمكين أهل الحق من أهل الجماعة الدينية في القضاء والمناصب العامة، وعلى زيادة نفوذهم في الجيش والمجالس النيابية، وأن يؤمن أنه يتعبد الله بإبعاده للمخالفين من أدعياء الطوائف الأخرى ودعاة المدنية والليبرالية واليسارية من المناصب في الخدمات العامة.
إذا كانت الإجابات على التساؤلات أعلاه تتفق مع أن الجماعة الدينية لها أن تحكم البلاد، وأن يكون لها منصب الولايات العامة دون غيرها، فيجب أن لا نعترض على طريقة الحكم الطائفي في إيران، والذي تحكم فيه طائفة الاثني عشريه الشيعية المجتمع المتعدد الاثنيات والطوائف، لأنهم الأكثرية ويعتقدون أنهم الحق، ويعتقدون أيضاً أنهم أتقياء وأنقياء يمثلون الحق المبين، ولهم منزله عند الله عز وجل، وأن تعود جماعة الأخوان للحكم في مصر، وأن يعمل رئيس الدولة ومرشد الجماعة على تمكين أعضائها في مختلف المناصب والولايات، وعلى إقصاء المخالفين لنهج الجماعة من الحيلة السياسية، ويصح أيضاً أن تحكم الشيعة الاثني عشرية العراق لأنهم الأكثرية، وأن تحكم الغالبية السنية سوريا، وإذا لم يحدث اتفاق بين الطوائف في البلاد العربية، أو استمر الانشقاق تقسم البلاد العربية إلى مناطق تتوزع فيها الطوائف، فيصبح هناك دول للأخوان ودول للشيعة وأخرى للسلفيين، ودول للمتصوفة والأشاعرة وللدروز والعلويين، وبذلك نصل إلى دول الطوائف والدويلات الدينية.
إن كانت الإجابات ترى أن ليس من مصلحة الأوطان العربية والإسلامية في أن تحكمها جماعة دينية تؤمن بثوابت محددة، وبروابط عقدية مشتركة، وتعتبر أن مصالح الجماعة مقدمة على مصالح الوطن وبقية فئاته وطوائفه ومصالحه، فذلك يعني أن الحكم المدني للأوطان هو الأصح، وان الوطن للجميع بغض النظر عن انتماءات الناس المذهبية والفئوية، وأن يكون الدستور مدنياً، وليس فيه إقصاء لجماعات وطوائف أخرى، وان يبقى الدين نقياً وخالصاً لوجه الله، لا تشوهه الصراعات السياسية، وأن تُشكل الأحزاب السياسية على أساس مدني، وأن لا تكون برامجها وعضويتها مرتبطة بتفاسير دينية محددة، وأن جميع المواطنين سواء كانوا متدينين أوغير متدينين متساوون تحت مظلة القانون في المواطنة والحقوق السياسية، وبهذا لا يصبح الحكم السياسي للجماعات الدينية ذريعة لتقسيم الأوطان وتمزقها، ولا حل إلا بسد باب هذه الذريعة من أجل وحدة هذه الأمة.