يأتي شهر رمضان هذا العام بعد أحداث كبيرة شملت أنحاء العالم المختلفة، وكان في كثير منها عبرة للمعتبرين،كما كان فيها الكثير من التحديات والأفراح والآلام، كما فقدنا فيها أفرادا أعزاء على قلوبنا كانوا بيننا ولكن وافتهم المنية فأصبحوا اليوم تحت الثرى
ولم يدركوا رمضان فنسأل الله أن يغفر لهم ويرحمهم ويسكنهم فسيح جناته.
في رمضان يشعر الإنسان بالطمأنينة والسكون، فهو شهر تتغير فيه أحوال الناس كما تتغير فيه أنماط معيشتهم، ويفرض عليهم الصيام تغيير الكثير من سلوكياتهم وتصرفاتهم وبرامجهم اليومية، ليس ذلك فحسب بل إن رمضان هو محطة يقوم الإنسان فيها بمراجعة الكثير من شؤون حياته ومواقفه وعلاقاته المختلفة بداية مع علاقته بربه ثم بأفراد عائلته ثم بأصدقائه، وأحياناً يصبح رمضان نقطة انطلاقة لتحقيق إنجازات وحدوث تغييرات جوهرية في حياة كثير من الأفراد.
في رمضان يفكر الكثير في القيام بخطوات لم تكن تخطر في بالهم من قبل، بل إن بعضهم ينتظر دخول الشهر الكريم ليقوم بعمل كثيرا ماكان يؤجله وبعضهم يحرص على أن يقوم بعمل ما غير أن الدافع والسبب للقيام بالعمل لايتوفر له فيأتي رمضان فيكون بمثابة أهم الأسباب للقيام بتلك الأعمال المؤجلة سواء كانت أعمالاً تتعلق بالطاعات أو العبادات أوحتى تغيير بعض العادات ومن ذلك أنك تجد بعض المقصرين في أداء العبادات يحرصون على الإقبال على الطاعات وخصوصا أداء الصلوات في المساجد والتي تمتلئ في رمضان قبل إقامة الصلاة فتجد الكثير ممن لم يعتادوا التردد على المساجد يحرصون وبشكل كبير على أداء الصلاة جماعة في رمضان، ولايقف ذلك على الصلاة فقط بل يشمل ذلك التغيير حرص الكثير على الكلمة الطيبة والمسامحة والإحسان كيف لا فهو شهر البركة والغفران وهو الشهر الذي تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران وتصفد فيه الشياطين.
إنه شهر مراجعة الحسابات مع كثير من الأشياء وفي مقدمتها القرآن الكريم الذي يهجره الكثير طوال العام فما إن يدخل الشهر الكريم إلا ونجد العلاقة تتغير فيصبح كتاب الله أنيس كثير من الناس طوال الشهر وتجد ألسنتهم رطبة بذكر الله، كما أنه الشهر الذي تتغير فيه موازين المشاركة الإنسانية والتلاحم بين أفراد المجتمع ففيه يحرم الجميع من الطعام والشراب في وقت واحد فيشعر الغني بألم الفقير فيبادر للمساعدة ويكثر من الصدقات التي قد يمضي عام كامل لم يقدمها، كما إنه شهر صلة الأرحام إذ يتزاور فيه الأقارب الذين قد لايرون بعضهم بعضا إلا مرة واحدة طوال العام.
كم صدرت منا إساءات لكثير ممن حولنا طوال العام وكم اختلفنا مع بعضنا بعضا وكم اغتبنا بعضنا بعضا وكم كانت هناك خصومة فيما بيننا وكم كان هناك صد وفرقة ونزاع وكم زين لنا الشيطان كل ماسبق فمضينا في طريق مظلم لانهاية له غير أن نور الخير أشرق اليوم بدخول هذا الشهر الكريم ليعطينا فرصة عظيمة لاتأتي في العام إلا مرة واحدة ألا وهي فرصة شهر رمضان المبارك لنستفيد من بركاتها ولنعمل بكل جد لإصلاح كل مافات وبناء كل ماهدم وتصفية النفوس من كل الشوائب التي تراكمت طوال العام بين كثير منا.
إنه شهر مراجعة الحسابات والتي يجب ألاتكون مؤقتة للبعض بحيث ما إن ينتهي الشهر إلا ويعود الكثير عن هذا التغيير ويواصلون حياتهم بنهجهم القديم وبكل مافيها من سلبيات وعادات سيئة، بل يجب على الأفراد أن يحرصوا مع دخول هذا الشهر المبارك أن يعزموا ويعقدوا النية أن يكون التغيير في هذا الشهر الكريم تغييرا دائما وليس مؤقتا أو تغييرا موسميا، وأن يبذلوا من الأسباب مايساعدهم على الاستمرار في التغيير نحو الأفضل وعلى جعله شهرا لمراجعة الحسابات وتحسين وتطوير نظام حياتنا لنمضي فيها بعد رمضان على أسس راسخة وصادقة وحقيقية وليست أسسا وهمية أو مؤقتة تنتهي بنهاية الشهر الكريم وكل عام وأنتم بخير.