ها رمضان مجدداً! ولا أدري أجاء إلينا أم نحن الذين نمضي إليه فيما تدور هذه الكُرَة بأمر ربها؟ رمضان: الوقت الذي يَخلعُ إيمانك الباهت ويهبك إيماناً ناصعاً لتجلسَ أمام ثلاثين يوماً من السكينة والانتعاش الروحي, واستشعار نظافة روحك وخفتها.
وها (لقيمات أمي) من جديد! كُرَات العجين الذهبية المُحلاة بالعسل أو القَطْر المُنَكَّه (بالفانيلا), التي لا تلذ ولا تحلو إلا على إفطار رمضان على الرغم من أنها تصنعها لنا في بعض الأوقات من السنة إلا أنني تعيينا لا استطعمها إلا في هذا الوقت, كما (الجِريش) أيضاً الذي لا يمكن أن يكون لذيذاً إلا في ضحى يوم العيد!
الكثير من التفاصيل والمشاهد الرمضانية هذه الأيام وتحَلُّقنا حول دعوة مجابة - بإذن الله -, وكل هذه الكرنفالات المادية ما هي إلا الفرح بالزمان المقدس ومحاولة تحسُّسه وتجسيده بحلوى أو عادة محلية. فثمة أشياء لا علاقة لها بالزمن ولا بالأمكنة ولا حتى بنفسها! إلا أنها ارتبطت روحياً بهذا الشهر كحلوى معينة لا تصنع ولا تباع في الأسواق إلا في شهر رمضان أو مشروب معين لا بد وأن يوضع على مائدة الإفطار أو السحور, حتى لمجرد رؤيته كتلوين للمائدة من زاوية روحية. أو إعادة صياغة لبعض العادات الرمضانية الجميلة. ففي بعض البلدان المسلمة (قديماً قليلاً) يقوم الناس في الحي بفرش منازلهم والمساجد المجاورة بسجادات خاصة لا تفرش إلا في رمضان ولا ترفع إلا مع آخر يوم فيه. واستخدام عطور خاصة للمنازل أو حين استقبالهم لضيوفهم. والعادة الأشهر عادة تعليق الفوانيس المصرية, تلك العادة التي ما زالت إلى هذه النبضة تحيا ببهجة مشعة. والاستعدادات بأشهر تقريباً بصنع بعض الأطباق القابلة للتخزين لحين رمضان, والكثير الكثير من التفاصيل اللذيذة التي لا تظهر مُزَينة إلا في هذا الوقت. ولو ظهرت في غيره استدعته وذكرتنا به. على الرغم من أن الإسلام لم يلزم المسلمين بالإفطار على طعام محدد كتعبد, أو لباس كما في بعض الديانات والديانات (المستحدثة) حين يصوم الناس. إنما هي تقاليد من العادات الثقافية المشتركة بين الشعوب, ومما تداوله الناس ونقلوه إلى غيرهم واستوردوه هناك وهنا لهذه الفترة فقط. إلا أنه فَضّل كَسُنة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - الإفطار على التمر كما في الحديث: «إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر, فإن لم يجد تمراً فعلى الماء فإنه طهور» .. مذاقات الأشياء وروائحها, وربطها أو ارتباطها بأشياء أخرى هي محاولاتنا لتجسيد ما لا يمكن تجسيده أو الإمساك به كالزمان.