|
القاهرة - مكتب الجزيرة - أحمد عزمي:
كانت رواية الكاتب المصري «صنع الله إبراهيم» الأولى «تلك الرائحة» مثيرة للجدل على نحو كبير، فقد تعامل معها بعضهم بتحفظ شديد، وعلى رأسهم «يحيى حقي» لكن الكاتب الكبير واصل عمله في صمت، بعيدا عن صخب المؤسسة الثقافية الرسمية، فأنجز عدة روايات تحمل بصمته الخاصة، مثل «اللجنة» «بيروت بيروت» «ذات» «شرف» وردة» «القانون الفرنسي» «التلصص»وغيرها من روايات اعتمدت في جانب كبير منها تيمة تسجيلية أو وثائقية، قد يكون في فيلم تسجيلي يؤرخ للحرب الأهلية في بيروت، أو قصاصات الصحف كما في «ذات».
لا ينسى المهتمون بالشأن الثقافي المصري موقف «صنع الله إبراهيم» من جائزة ملتقى القاهرة للإبداع الروائي، حين أعلن اسمه فائزا بها، وصعد إلى المنصة، ليرفض الجائزة «من نظام فقد مصداقيته» هذا كان في عز سطوة نظام الرئيس المصرى السابق حسني مبارك قبل الثورة، لكن المثقف الكبير ظل محافظا على استقلاليته عن تلك المؤسسات التي توجهت إلى غيره بالجوائز والمنح المالية.
هنا حوار مع «صنع الله إبراهيم» الذي دفع من حياته سنوات فى السجن، لاتساقه مع نفسه.
* لماذا تحضر صورة الأب بقوة في أعمالك؟
- صورة الأب بالنسبة لأي إنسان لا يمكن أن تختفي، وتبقى بصمتها على كل شخصية، وقد لعب أبي دورا مهما في حياتي، من ناحية أنه كان رجلا يحب القراءة ويعمل عقله في كل أمر، رغم أنه شخصية محافظة، وكان ينصحني دائما بإعمال العقل والتريث، وحتى لحظات تمردي عليه هو الذي صنعها ، فقد فتح عيني على فكرة الثورة، حين أخذ يحكي لي عن دوره، وكيف كان يخرج من عمله كموظف أثناء ثورة 1919 ليركب «عربة كارو» وينضم إلى المتظاهرين، وكان هو أول من تمردت عليه.
* وماذا عن أسباب هذا التمرد على والدك؟
- لأنه كأب لم يكن متحمسا لعلاقاتي الشخصية التي أخذت شكلا سياسيا عندما دخلت الجامعة، فكان يحاول أن يحجم مواعيد خروجي ويبعدني عن أصدقائي، وفى أحد الأيام وكنت انضممت إلى تنظيم سري، قمت بإخفاء منشورات ضد الحكومة داخل البيت، وحاول إحراقها خوفا علي، وعندما بدأت الكتابة كان هو محور كتاباتي، ورواية «التلصص» بدأت كتاباتها وأنا في سجن الواحات سنة 1963، ووصلت إلى الصيغة التي أريدها بعد ذلك بأربعين سنة.
* وهل الطفل في رواية «التلصص» هو أنت؟
- لا ليس بالضبط فهذا شأن كل الأطفال، فهم يمارسون التلصص باستمرار، والرواية محاولة لكشف شخصية أب في الستين من عمره، وكيف يعيش ويفكر في مختلف أشكال حياته، ولذلك تأخرت في الكتابة عن هذا لأكثر من أربعين سنة، وحدثت حالة نضج للرواية عندما وصلت إلى سن الستين، وقد استخدمت فترة طفولتي للعودة إلى الأحداث التاريخية، وعندما بلغت سن الأب استطعت أن أرى الشخصية بطريقة مختلفة وانعكس ذلك كليا على بناء الرواية.
* ولماذا العودة الدائمة للتاريخ في أعمالك؟
- التاريخ يعلمنا الكثير، المهم كيف نراه، ومشكلة التاريخ أنه مكتوب بطرق مختلفة حسب فهم وانتماء من يكتب، الأهم من ذلك هو رؤية التاريخ من منظور عصري، وقراءة اللحظة التي حدث فيها، والعوامل النفسية وحركة الطبقات، وهذه القراءة تعد عملية مثيرة.
* أنت متهم دائما بأنك تكتب عن نفسك فما تعليقك؟
هذا بسبب استخدامي ضمير المتكلم والمزج بين أشياء حدثت لي والخيال، وهذا لا يعني أنني أكتب عن نفسي.
* وماذا عن تأثير يوسف إدريس على عملك؟
- كان متحمسا لي، وحاول أن ينشر لي أول أعمالي «تلك الرائحة» في مجلة «الكاتب» وطلب أن يكتب لي مقدمة، وهو صاحب فكرة عنوان الرواية ، وكنت حريصا على ألا أسير في سكة موجودة، لكن عمليا نحن نستخدم سكك من كانوا قبلنا،والتأثيرات علي كثيرة جدا سواء من «يحيى حقي» أم «نجيب محفوظ».
* وما سر اهتمامك بالتفاصيل الصغيرة في أعمالك؟
- أؤمن بمجموعة مبادئ في الكتابة منها الاختصار والبساطة، والاهتمام بالتفاصيل الصغيرة الموحية، وأنا أعتبر أن الرواية هي فن التفاصيل بدرجة ما، كما أنني أهتم بالكتابة عن المسكوت عنه.