1
تعود معرفتي بمجلة بانيبال ورئيسة تحريرها السيدة مارغريت أوبانك إلى بداية عام 1998 حين وقفت على العدد الأول منها وقرأت ما احتواه من نصوص مترجمة لعدد من الشعراء والكتاب من مختلف الأقطار العربية أمثال أدونيس وسرجون بولص وأمجد ناصر وغازي القصيبي وسميرة قعوار وسميرة المانع وخالد مطاوع وغيرهم.
وكان أهم ما جلب انتباهي توجه المجلة نحو إشاعة الأدب العربي وتذوقه لدى عامة القراء في الغرب من خلال نصوص مترجمة ترجمة فنية متجنبة الدراسات التفصيلية والهوامش إلا عند الضرورة القصوى أي أن الهدف من إصدار المجلة كان -ولا يزال- أن يتاح لقراء الآداب العالمية الاطلاع المباشر على الأدب العربي والتفاعل معه عن طريق ما يترجم منه لا على ما يقال عنه. ولعل خير مثل على هذا التوجه هو ما نلاحظه في العدد الأخير (46) الصادر في أبريل/نيسان 2013 فهو يضم نصوصاً مترجمة تحتل معظم صفحات العدد (80 قصيدة لأربعة عشر شاعراً عربياً وثمانية نصوص روائية عربية لأحمد فارس الشدياق - أمجد ناصر - سنان انطون - جنى الحسن - محمد حسن علوان - إبراهيم عيسى - سعود السنعوسي - حسين واد وقصائد للشاعر الفرنسي لوراند غاسبار) بالإضافة إلى مقالات نقدية وتعاريف تدور غالباً حول كتب مترجمة وبينها في هذا العدد: (أصوات قصصية عبد العزيز السبيل وانتوني كلدربانك New Voices of Arabia
an anthology from Saudi Arabia / The short stories :
`Abd al-`Aziz Subayyil; Anthony Calderbankو أصوات شعرية سعد البازعيِ
New Voices of Arabiaan anthology from Saudi Arabia / The PoetrySaad Al-Bazei ورواية كائن مؤجل لفهد عتيقLife on Hold ترجمة جانثن رايتJonathan Wright.)
2
وقد استمرت متابعتي للمجلة وأنشطة رئيسة تحريرها السيدة أوبانك منذ ذلك التاريخ حتى اليوم لثلاثة أسباب رئيسة: تدريسي في جامعة انديانا الأدب العربي الحديث وموضوع العلاقات الأدبية بين العرب والغرب، واهتمامي بترجمة الأدب العربي الحديث إلى الانكليزية منذ أواسط القرن العشرين وحرصي على مواكبة الإبداع الأدبي ومنجزاته في مختلف أرجاء الوطن العربي.ولقد لمستُ خلال متابعتي بإعجاب وتقدير ما قامت به اوبانك من دور فريد استثنائي في السياق الغربي من أجل التعريف بالأدب العربي عبر مئات النصوص الأدبية المترجمة إلى الإنجليزية وبعض الدراسات أو المقالات ذات العلاقة، علما بأنه سبق لي أن أشدت بدورها في تعليقات متفرقة أكدت فيها ما ذكرته آنفاً مشيراً إلى تميز «بانيبال» بالإسهام أكثر من أية مجلة غربية أخرى في خدمة الأدب العربي الحديث على الصعيد العالمي وحسبي للدلالة على مدى إسهامها أن أضيف إلى ما ذكرت كشاف المجلة لمحتويات جميع أعدادها الصادرة حتى اليوم (46 عدداً) المنشور على موقعها(في أكثر من 60 صفحة) والذي يضم أسماء مئات الأدباء والنقاد والمترجمين وغيرهم (من السعودية مثلاً:فوزية أبو خالد-أحمد أبو دهمان - ليلى الأحيدب - سعد البازعي - عبد الله التعزي - ليلى الجهني - عبده خال - رجا عالم - محمد حسن علوان - غازي القصيبي - أحمد كتوعة -يوسف المحيميد - عبد الرحمن منيف...)
إن دور اوبانك لم يقتصر على إصدار بانيبال بانتظام خمسة عشر عاما (1998-2013)، بل تجلى في حرصها كذلك على انتهاز كل فرصة أو وسيلة ممكنة للتعريف بالأدب العربي والتأكيد المستمر على أهمية ترجمته إلى لغات أخرى، كالإسهام في تأسيس جائزة «سيف غباش - بانيبال» الذي لقي اهتمام المترجمين بصفة خاصة، وتأسيس دار بانيبال للنشر، ومشاركاتها المتعددة في ندوات أو مؤتمرات أو معارض كتب عربية وغربية، أو مشاريع أوروبية تسعى إلى دعم الترجمة من العربية وغيرها أو مقابلات (بالعربية والانكليزية) حول بانيبال وما يخص ترجمة الأدب العربي من مشاريع أو عقبات مما بوّأها مكانة مرموقة كعلم يستعان به أو يلجأ إليه في قضايا الترجمة.
3
ومن منجزات أوبانك الأخرى التي يُغفل ذكرها أو الاهتمام بها أنها سعت إلى توطيد العلاقات بين مجلة بانيبال ومطبوعات غربية أخرى (في أوروبا والولايات المتحدة واستراليا) لتشجيع إعادة ما نشر فيها من ترجمات، حرصا على توسيع انتشار الأدب العربي متجاوزا بذلك فضاء بانيبال، وقد أعيد في الواقع نشر عدد كبير من الترجمات الشعرية والقصصية في كتب أو مطبوعات أخرى أي أنها أصبحت مصدرا يعتمد عليه من يشاء الإفادة منه في اختيار نماذج من الأدب العربي المعاصر. ولعل الأستاذ تيتز روك (أحد الأساتذة السويديين) لم يبالغ عندما قال في سياق آخر عام 2004 «صارت بانيبال مكتبة جميلة ومنجم ذهب ببليوغرافي لكل مهتم بالكتابة العربية المعاصرة».أضف إلى ذلك مساعيها في دعم الحوار بين الثقافات بسبل متنوعة كالتعاون مع مؤسسة الأدب الهولندي لنشر أعمال أدباء عرب يكتبون باللغة الهولندية واستضافة كتاب يمثلون آدابا أخرى كالأدب السلوفاني والألماني والكوري والفرنسي أو السماح بترجمة بعض مواد المجلة إلى لغات شرقية. أما الأمر الآخر فهو إنشاؤها موقعاً إلكترونياً مفصلاً للمجلة يحفل بأحدث المواد أو الأنباء التي تدور حول الأدب العربي وترجمته، وبهذا استطاعت أن تجعل من مجلة بانيبال - كما صرحت أوبانك - نافذة مفتوحة دائماً للأدب العربي تيسر للقارئ متابعة ما يخص الأدب العربي أو ما يستجد من مواد باستمرار.
إن هذه المنجزات وأمثالها مما لا يسع المجال للإلمام به كانت ولا تزال موضع إكبار المعنيين بالأدب العربي وترجمته في العالم العربي وأوروبا والولايات المتحدة، (أمثال أدونيس-روجر ألن-محمد مصطفى بدوي-محمد بنيس-عيسى بلاطة-عباس بيضون - محمد شاهين - بيتر كلارك - دنس جونسن ديفز- روبرت ارون - بول ستاركي وغيرهم) ولعلني لا أعدو الصواب إذا قلت بأن السيدة أوبانك أثبتت قدرتها - بجهودها المتواصلة والمتنوعة - أن تسهم إسهاماً فعالاً في ازدهار حركة الترجمة من العربية إلى الإنجليزية وفي توسيع دائرة قراء الأدب العربي وأن تجعل من مجلة «بانيبال» منبراً مضيئاً يكاد يكون فريداً في الغرب يذيع حقائق ناصعة وجوانب إيجابية عن الإبداع العربي بالرغم مما يذاع كل يوم من الصور السلبية أو القاتمة عن العرب والمسلمين.
- جامعة انديانا