حين نشرتَ صحيفةُ «النيويورك تايمز» قبل فترة فتوى لأحد من وصفتهم بالدعاة يحرِّم فيها تشغيل المكيّف للمرأة في حال عدم حضور زوجها في المنزل، باعتبارها إشارة للغرباء بوجودها وحيدة في المنزل مما يعرِّضها للفاحشة، ضجّت الدُّنْيَا بالاستهجان والاستنكار والسُّخْرية بسبب أنَّ صحيفة عريقة استندت إلى تغريدة لشخصٍ ساخرٍ لا وزنَ له في المجتمعِ ولا يحمل أيّ أهلية للفتوى أو الرأيِّ العلميِّ المعتبرِ!!
تناقلت تلك الفتوى أو التغريدة الساخرة كلَّ وسائلِ الإعلامِ وسطّر عنها الكتّاب والكاتبات في الغرب والشرق مقالات تستهجن البيئة التي يعيش فيها المجتمعُ السعوديُّ الغارقُ في الجهل، وبدأ مُمثّلو وممثِّلات الـ STAND UP COMEDY يتناولون الفتوى كمادة جديدة ومثيرة للسُّخْريّة...
هنا في بلادنا كان أمثلنا طريقة لا يتجاوز وعيه بالقضية الأسطوانة القديمة بأنّ ما يحدث حلقة من حلقات تآمر الإعلام الغربي، الذي يتصيَّد كلَّ شاردةٍ وواردةٍ من أجل تشويه الإسلام وأهله.!!.. وإن كان ثمَّة دلائل على وجود مثل هذا السلوك والاستهداف من الغرب أو الشرق فليس من الحكمة والعدالة والإنصاف الذي يَتطلَّبه الوعي بأيِّ ظاهرةٍ للانسياقِ وراء العاطفة واختزال المشهد الثقافي الدَّوْلي في مجموعة شواهد تؤيِّد هذا الطَّرح أو تنفيه!
القناعة الرَّاجحة التي استقرَّت في نفسي بعد مراجعة كثيرٍ من قضايا الخلافِ والاختلافِ بيننا وبين الغرب ورصد عدد لا بأس به من الموضوعات التي تناولتها وسائل الإعلام الغربيَّة أو ما طرحه مثقّفو الغرب في كتبهم أن الخطأ الذي نرتكبه دائمًا في مطاردة الشارد والوارد مما يصدر هنا أو هناك دون أن نعمل على التواصل مع الآخر من أجل إعادة صياغة وعيه بثقافتنا ومجتمعنا وواقعنا بدءًا بالاعتراف بأخطائنا وأوجه قصورنا بحجمها الطّبيعي..، ثمَّ العمل على التفاعل مع العالم وفق ثقافتنا الأصيلة دون وجلٍّ أو تردّدٍ... فالثقافات أجمع تتفاعل وتتعلم من بعضها بعْضًا وفق الحكمة النبوية الشريفة «الحكمة ضالة المؤمن». وهذا مصدر قوة الإنسان في هذا العالم وإرثه الذي لا ينضب.
حين دعيت من قبل وزير العدل الدكتور محمد العيسى للمشاركة في وفد حوار العدالة، الذي زار المملكة المتحدة وعددًا من دول الاتحاد الأوروبي ومؤسساته العدلية، كان سؤالي الأهم: أيّ أثر وتأثير يمكن أنْ تحدثه مثل تلك الزيارات والحوارات؟ وهل يجهل الغرب ثقافتنا وواقعنا فعلاً؟ وهل هذه الزيارات مُجرَّد حوارات بروتكولية يبدأ فيها الحوار وينتهي دون الوصول إلى عمق الوعي بالاختلاف والخلاف؟!
.... في المقالات القادمة سأتناول جوانب من دروسِ حوارِ العدالةِ، الذي شهدته بنفسي وشاركتُ فيه ليس رواية ولا نقلاً عن أيِّ طرف، بل تجربة شخصيَّة.
عبر تويتر: fahadalajlan@