استوقفتني كلمة رائعة للخليفة الزاهد عمر بن عبدالعزيز في سير أعلام النبلاء (5/137) قال الذهبي روى حماد بن سلمة عن رجاء الرملي عن نعيم بن عبدالله كاتب عمر بن عبدالعزيز أن عمر قال: «إنه ليمنعني من كثير من الكلام مخافة المباهاة» مع أنه كان فصيحاً مفوهاً بليغاً إذا تكلم لكنه خاف على نفسه من المباهاة أمام الناس.
- ما أعظم ما كان عليه السلف الصالح من الورع والبعد عن المباهاة والمفاخرة بأقوالهم وأعمالهم كل ذلك خشية الرياء والسمعة ورغبة في تحقيق الإخلاص، فهم محل القدوة لأنهم كانوا أحرص الناس على الاتباع والعمل بالسنة فحياتهم وسيرتهم حافلة بكل المعاني والقيم العالية التي سطرها لهم التاريخ.
- والمباهاة هي : المفاخرة بإظهار القول والفعل فيما يكون من الإنسان، وهذه آفة مهلكة لسيرة الإنسان ومذيبة لشخصيته، ومن البلاء في هذا الزمن كثرة المباهاة عند بعض الناس سواء في أقوالهم أو أعمالهم أو عاداتهم الاجتماعية، وهي لا تخفى على كل ذي لب، مما يكون في المناسبات أو النفقات ونحوها، والأولى مجانبة هذه الصفة على كل الأحوال وسلوك مسلك التوسط والاعتدال، وعدم التكلف والخروج عن المألوف.
- لأن الشارع الحكيم نهى عن إطراء النفس وعن تزكيتها وأمر بالإخلاص ونهى عن الرياء وحث على التواضع، وفي صحيح مسلم (2865) من حديث عياض بن حمار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله أوصى إلي: أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحدٌ عن أحد»، ولأن المباهاة فيها ترفع على الآخرين فيرى الإنسان لنفسه مزية على غيره تحمله على احتقاره، والمتواضع البعيد عن المباهاة لا يرى لنفسه مزية بل يراها لغيره بحيث يحمله ذلك على الانخفاض له مراعاة لحقه.
- ومن المباهاة في آخر الزمان ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد» أخرجه أحمد (12379)، وأما الحديث المخرج في صحيح مسلم (1348)عن فضل يوم عرفة وفيه: «ثم يباهي بهم الملائكة» فمعناه أن الله يظهر فضل الذاكرين لملائكته ويريهم حسن عملهم ويثني عليهم، وفي هذا تعظيم وتشريف لشأن عباد الله الصالحين الذين أخلصوا لله في أعمالهم.
- فالعاقل يحرص على تحقيق الإخلاص في عمله والتواضع في تعامله، ويجانب المفاخرة أو الإعجاب بعمله، ولا يتحدث بما يُقدم من عمل إلا بقدر ما تدعو الحاجة إلى إيضاحه وبيانه، حتى يَسلم من المباهاة التي تُنكرها العقول السليمة.
- وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية