|
الجزيرة - أحلام الزعيم:
باتت كلمة «معتمد»، بمثابة جواز مرور يفتح لحاملها أبواب سوق استثماري كبير خالية من الضوابط، تسمى اصطلاحاً بمراكز التدريب، وبالميل على هذا القطاع بالمملكة والتي تعد مرتعاً لمثل هذه المراكز، نلمس تحول هذا السوق وبحسب اقتصاديين إلى سوق سوداء استغلالاً للسعى الدؤوب من قبل المتدربين للحصول على شهادات إضافية، لإقناع أي فرصة وظيفية قادمة بجدارتهم أولإثبات أنهم طوروا مهاراتهم، وبالرغم من ذلك ليس هناك أي قياس يذكر لمن يدعي التدريب، ولا مرجع يؤكد لمن يبحث عن التدريب مصداقية ومستوى المدرب.
تقول لما العبدالله «31 عاماً « إنها ممن يرتادون الدورات التدريبية بكثافة على اختلاف نوعياتها وتخصصاتها, سواء في مجالها المهني أو حتى على المستوى الشخصي أو التطويري في علم الطاقة وخلافه, «لم أتدرب لدى مدرب سعودي حتى الآن, وليس لدي أي فكرة عن مرجع يمكن الرجوع إليه لأحصل على قائمة بالمدربين ومستوياتهم وتخصصاتهم, ولذلك أسعى للالتحاق بدورات تكون معتمدة في المكاتب الإقليمية في الخليج مثل دبي والدوحة وأحصل على معلومات المدرب وشهاداته وخبراته قبل دفع رسوم الدورة».
أما ناصر الأحمد 29 عاماً فيجد أنه وقع في فخ الدورات والمدربين حيث يقول «التحقت بدورة أعلن عن مدربها أنه معتمد من جامعة أمريكية ومعه شهادات خبرة واكتشفت أثناء الدورة أنه حتى لا يجيد اللغة الإنجليزية! فكيف اعتمد وتواصل مع الجامعة الأمريكية وأخذ الدورة؟! ومن بعد ذلك الموقف لم أهدر مالي ووقتي في أي دورة جديدة».
نورة الحسن تبلغ من العمر 34 عاماً لها مع التدريب والدورات قصة، فهي حاصلة على شهادة الماجستير في تخصصها ومع ذلك حريصة على الاستزادة من الدورات هي ومجموعة من زميلاتها، تقول: «سؤال دائماً يتكرر علي لماذا لا تصبحين مدربة؟ وأجيب بأنني عندما أتدرب لا يعني ذلك أنني قادرة على التدريب, لكن المفاجأة كانت بالنسبة لي من زميلاتي اللاتي تدربن معي في بعض الدورات والآن يملكن أعمالهن وحقائبهن التدريبية الخاصة وكل منهن أصبحت مدربة».
كاد حازم المنصور (34 عاماً) أن يصبح أحد المدربين المعتمدين عبر دورات قدمها مركز تدريبي ينسق مع مراكز عالمية في كندا و أمريكا يقول: «المركز ينسق مع مركزين في مدنا وشيكاغو وهو مصرح من معهد التدريب المهني, وبمبلغ 5 آلاف ريال يمكن أن تكون مدرباً عالمياً معتمداً دون أي اختبار ولا اشتراطات غير حضور الدورة وورش العمل فقط».
أحد المدربين «تحفظ عن ذكر اسمه» أقر لـ»الجزيرة»باشتغاله في التدريب دون أي ترخيص «أقوم بالتدريب من 7 سنوات في المملكة ودول الخليج ولا أحمل ترخيص عمل للتدريب كل ما في الأمر أنني أعرض شهادتي لمعهد مرخص و أنسق معهم ليقيموا الدورة, ولا يوجد أي اختبارات في المملكة يجب أن أجتازها ليتأكد أحد من اعتمادي».
هذا الوضع لم يخلق أزمة ثقة لدى المتدربين وضرر لهم فحسب, بل إنه شكل بطريقة ما ضرراً للمدربين العالميين المعروفين الذين بدورهم يأملون أن ينضموا تحت لواء جهة رسمية تحميهم من اقتحام الغث والسمين لعالم التدريب. فالمدربة العالمية المعتمدة من منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية نورة الشعبان رئيسة المركز العربي الأوروبي للتواصل الحضاري والتي دربت أكثر من 10 آلاف شخص قالت لـ»الجزيرة»: أنا عضو في منشآت محلية و دولية خاصة بالتدريب لكنني مازلت أنادي وأطالب بوجود منشأة رسمية أو منظمة خاصة بالمدربين السعوديين بحيث يتم اعتمادهم كأعضاء فيها بحسب معايير عالية واحترافية لتكون مرجعاً لكل من يريد التدريب أو التدرب مهما كان المجال.
وعلى الجانب الاقتصادي، يرى المهتم بالتنمية والخبير فضل البوعينين سوق التدريب في المملكة سوق سوداء لا ضوابط فيها، قائلاً: هي سوق سوداء بمعنى الكلمة, ولا ضمانات للخريجين من هذه الدورات, وربما أكثر الأزمات التي واجهتها أحد القطاعات الحكومية في توظيف خرجي بعض هذه المعاهد التي كانت معتمدة ثم بقدرة قادر لم تعد كذلك, وهو ما يؤدي إلى هدر المال والوقت وضياع فرص حقيقية للراغبين في التدريب».
وعد البوعينين أن قطاع التدريب موازي للتعليم العالي ولا يقل عنه أهمية كونه الجسر الرابط بين المرحلة الأكاديمية ومتطلبات سوق العمل غير أن مهمة سوق التدريب لم تكتمل حتى الآن بحسب أبو العينين لعدم وجود بنية تحتية متكاملة للمدربين والمعاهد الكفوءه المعتمدة.
وقال:» هناك معاهد عالمية تفتح فروعاً في الخارج يجب أن تكون السوق السعودية أحد وجهاتها الهامة بدل التوجه لأسواق قريبة أصغر ولكن يعتقد أن هناك تعقيدات داخلية تحول دون نمو هذه الأسواق و دخول هذه المعاهد والخاسر الأول في هذه الحالة الوطن و الاقتصاد».
وأقر البوعينين بعدم وجود إحصائيات تذكر حول قيمة سوق التدريب في المملكة وأضاف:»يجب أن توجد جهة حكومية تصنف المدربين وتختبر شهاداتهم المعتمدة وفق معاييرها ويكون المرجع الوحيد لتمكينهم من الحصول على رخصة عمل». كما حذر من دورات تدريب المدربين والتي يتخرج العشرات منها مؤكدين قدرتهم على التدريب والواقع أنها لا يجب أن تستخدم إلا في نطاق التدريب الداخلي للشركات.