جعل الولاء لحزب آفة خطيرة، ابتلي بها العالم الإسلامي - بشكل عام -، بل لا أبالغ عندما أقول: إن الحزبية من أعظم الأمراض التي نخرت في جسد الأمة، فساهمت في تفريق كلمتها، وصرفتها عن منهج نبيها - صلى الله عليه وسلم -، وأمرضت العزائم، والإرادات، كل ذلك بسبب زيغها عن الطريق المستقيم، وابتعادها عن تعاليم دينها.
الحزبية قبح في المنهج، وسوء في المبدأ، تجمع القوالب الضيقة، وتكيل بمكيالين - كونها - تفتقد الصدق، تشم رائحتها من بعيد، وعندما تتعطل ملكة التفكير، فلا مكان - حينئذ - لقرار اتخذته، أو مصير قررته؛ ليقع صاحبها في طريق منحدر، مآله السقوط في الهاوية. ولو لم يكن من آثارها السلبية إلا التنكر للحق، وتأييد الباطل، وحجب البصائر عن ضوء الحقيقة، وإسقاط المخالفين؛ لكفى بها إثماً مبيناً. فالحياة الحزبية المقيتة، هي التي تفرق، ولا تجمع، كون رؤاها مقتصرة على وعود فاقدة للمصداقية، تزيد من تعقيدات الواقع الأليم، الأمر الذي سيفاقم من حدة الأزمات، وتداعياتها الخطيرة. وهو الأمر الذي جعل من مفتي عام المملكة - الشيخ - عبد العزيز آل الشيخ - قبل أيام -، يوجه انتقادات حادة لـ «العمل الحزبي»، وما خلفه من صراعات، غلبت المصلحة الشخصية على مصلحة الأوطان.
إن أبعاد مسطرة الحزبية المقيتة، باتت تتأرجح بين الفساد، والتخوين. وهو نتاج فكر تلك الحزبيات، واجتهاداتها الخاطئة. إذ إن العيب كل العيب، أن تكون الآراء متعارضة مع القتاعات، لا لشيء، وإنما خوفاً من طرح البديل، وعدم الانجرار عكس التيار، وما ذاك إلا لاتصافها بالعشوائية الفكرية، وبالمزاج الفكري المتقلب. وحول هذا المعنى، يقول - الدكتور - عبد الكريم بكار: «إن المتعصب إنسان غارق في أهوائه، وعواطفه، على مقدار ضعفه في استخدام عقله، وهذا لا يعني أنه لا يفكر، لا بل هو يفكر، لكن الأفكار التي تتمخض عن تشغيل عقله، يتم إنتاجها في إطار العواطف الجامحة التي لديه، وتكون مهمتها الأساسية ليست ترسيخ الاعتدال، والإنصاف، وإنما التسويغ للميول، والعواطف العمياء، التي تغلي في صدر الإنسان المتعصب».
بقي أن يقال: إن دين الله يسع الجميع، فهو قائم على العلم النافع، والعمل الصالح، والدعوة إلى الله على بصيرة. ثم إن قيماً أخلاقية يجب احترامها، والعمل بها، كتقبل الاختلاف، واحترام التنوع، وقبول الآخر، ورفع لغة الحوار، بعيدًا عن لغة الصراع، والتخوين، ورفضاً للانجرار نحو العنف، والاستدراج إلى منزلقاته.
drsasq@gmail.comباحث في السياسة الشرعية