لا يمكن للشك أن يخالط دوافع الكبار في حماية الصغار.. فهي غالباً تتمحور حول الخوف من إعادة الأخطاء التي عاشوها وخرجوا منها مهشمة قلوبهم.. أو مجروحة ضمائرهم.. أو مهزوزة ثقتهم.. ونجدهم مستعدون لممارسة الحماية بقسوة إن لزم الأمر.. كأنما هو إنذار بالحب.. وليس دعوة مفتوحة للمودة لا إجبار فيها.
بالطبع تريد أن تحمي أسرتك ومجتمعك.. كبارهم وصغارهم.. لكن عند الكيفية التي تختارها تتوقف متانة العلاقة والهدف منها.. ولعل ما يحدث في شهر رمضان تحديداً.. يحكي قصة التوتر التي تتكرر في كثير من البيوت.. بين إصرار الآباء والأمهات على فرض الأجواء الروحانية.. في تغيير جذري لا يراعي فوارق العمر والميول ومستوى الفكر ونزعة الرغبات.. كأنما رب رمضان غير رب الأشهر الأخرى!
لا أحد يمكنه أن ينكر أهمية التربية الدينية.. فهي صمام أمان.. نفسي وروحي.. بغض النظر عن الديانة نفسها.. فالتعاليم السماوية لها وقع قوي في النفوس.. لكن تأتي المشاكل عندما تكون جبرية متفجرة.. لها شظايا لا تمر بشيء إلا مزقته إن لم تفنيه.. وفي موضع أشد ضرراً.. لحظة تأتي الموافقة الظاهرية والنية مبيتة لعمل العكس.. لمجرد أن تهدأ النفوس.. ويحضون بالقبول.. هنا يبدأ النفاق الذي ينخر قيم الإنسان.. ويتركه تافها.. سخيفاً.. وخائناً في أفضل أحواله.
فلا عجب أن يكون المنافقون في الدرك الأسفل من النار.. كونهم الأشد فتكاً بالمجتمع.. رغم أنهم ظاهرياً يدعمون الدين وأهله.. ويبطنون كرهاً وحقداً واحتقاراً لكل ما له صلة بالتدين. لأن الدين يثق بقوته.. وإقناعه.. فهو ليس بحاجة لأتباع مزيفون.. فلماذا نهيئ النفاق في بيوتنا بطريقتنا القاسية.. بمجرد أن نحرمهم من حقهم في الاختيار.. وأن يعبروا دون الخوف من رفضهم.. أو وصمهم بالعار والخروج عن دائرة الدين. الخطاب الديني الملغم بالترهيب والوعيد ما عاد يجدي.. لكل عصر لغته.. وعقول أبنائنا بحاجة إلى حوار آمنٍ محب.. إنهم بحاجة لأن يتعلموا كيف يحبون ربهم.. إنها لغة الحب ولغة العقل.. أما ما عداها لن تكون أكثر من فرقعة عاطفية.. سرعان ما تخبو وتموت.. ويعودون بارتدادٍ عكسي صارخ معاند متمرد.. لأنهم لم يتعلموا كيف يتعاملون مع رغباتهم وكيف يهذبونها.. وكيف تكون علاقتهم بربهم خاصة بهم.. لا يتسلل لها أحد مهما كانت أواضعهم.. وذنوبهم.. وأخطاؤهم. ألم تسمعوا بقصص المراهقين ممن يتهربون من أداء الصلاة رغم مقدرتهم.. ومراهقات امتهنوا التمثيل دون وضوء لمجرد أن يصدقوا من حولهم أنهن خاشعات في صلواتهن! ألم تتمدد دائرة الإلحاد بين جموع الشباب والتي غالبها لم يكن اعتناقها إلا عناداً وكراهية لممارسة المجتمع لا شأن لجوهر الدين بها!
ألم تعد معايشة أكثر من شخصية تناسب الحال ونوعية المجلس تمارس من قبل الكثير.. لأن المجتمع لا يقبل؟ لمن نعدهم؟.. لله أم لنا؟.. لأنفسهم أم من أجلنا؟ ليعيشوا حياتهم أم يعيشوا حياتنا مع بعض الفصول المحذوفة أو الغير صالحة للعرض!
amal.f33@hotmail.com