من المثير للتفكير مقارنة ساكن الجزيرة العربية اليوم (السعودية تحديداً) وساكنها قبل آلاف السنين من حيث ممارسة الفنون (البصرية) عموماً والرسم تحديداً، وقد ذكرت في مقالات سابقة عديدة وذكر غيري استياء المتخصص في الفنون من موقف المجتمع الذي يعتبر سلبيًا من الفنون، بل والتناقض في تعاطي هذا المجال وتغير المفاهيم بشكل متسارع حيالها، كما ذكرت وذكر غيري أن مفهوم الفنون البصرية بشكلها المعاصر منتج وافد من الغرب، أوهم البعض من الفنانين بالاستلهام في الموضوع والفكرة أيضا منهم لعجزه ربما عن ربط التقنية والمجال بثقافته المحلية!
وأعود إلى الماضي، بل إلى أحد أهم الآثار الباقية حتى اليوم في مواقع متعددة من الجزيرة العربية، والتي تحوي مئات الآلاف بل الملايين من الرسوم الصخرية التي رسمها ساكن المنطقة عبر الزمن، حيث تظهر الطبقات على سفوح الجبال التي تحوي الرسوم تتابع كرونولوجي يمكن من خلاله مشاهدة مراحل متعددة للحياة على هذه الأرض. وتتنوع وتتشابه هذه الرسوم، وتتوزع في العديد من المواقع، وإن تركز وجودها عند أماكن السكن أو على طرق التجارة والسفر بل والحج!
كما يمكن من مقارنة هذه الرسوم معرفة نوع الحيوانات التي سكنت المنطقة أو المناطق المختلفة شمالاً وجنوباً، وقيمة ذلك الحيوان في المجتمع، ويمكن التعرف أيضاً على بعض من طقوس البشر، ودور الرجل والمرأة في المجتمع من خلال هذه الطقوس أو الرسوم. أيضا يمكن قراءة نوع من المحاكاة عبر طبقات الرسوم بين جيل وآخر، وأحيانا يمكن رؤية نقاش أو رد بين من رسم متأخرا على الرسم الأقدم! حيث يبدي المتأخر إعجابه أو اعتراضه على الرسم الأقدم بأساليب (خطية) ورسوم معينة.
هذه الرسوم الصخرية كما ذكرت بعضها يعود لأكثر من 10 آلاف سنة، والبعض الآخر عمره أقل من ذلك بكثير، وهي لا تدل على أن ساكن الجزيرة العربية فنان بالفطرة فحسب، بل أن ممارسة الرسم عمل فطري طبيعي للإنسان، وهو أول أسلوب للتعبير قبل الخط واللغة المكتوبة، وسفوح الجبال المنتشرة هي أول وسيلة تواصل ومساحة للتعبير قبل الصحف والهواتف والانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
فكما نعبر اليوم في تويتر عبر أجدادنا بالرسم على سفوح الجبال.... فعلاً كلنا رسامون.
msenan@yahoo.comtwitter @Maha_alSenan **** Maha Alsenan Ph,D - أكاديمية وفنانة تشكيلية