مضى أكثر من أسبوع على دخول شهر رمضان المبارك، وعاش المسلمون نهاره ولياليه وكلٌ سارٍ على ما يرتضيه، فقد تغيّر الكثير من نمط الحياة المعتاد في أيام الفطر المديدة، لكن قد يتساءل المرء عن ذلك التغيير في النمط فيما إذا كان مفيداً عملياً وجسدياً أم غير ذلك، لكن يظل الإنسان باختياره هو المحدّد لوجود الفائدة من عدمها من خلال اجتهاده في عمله، وأنواع قراءاته، ومشاهداته، وقضاء فترة راحته، وأنواع غذائه، وكمياتها، وتوقيتها، وفي نهاية الأمر فإن ذلك عائدٌ للمرء لا غير، حتى السلوك إن كان فيه ما فيه، فإن المرء في الغالب يرجع إلى ربه، ويتذكر أنه ليس بغافل عنه، ولعل ذلك يكون بداية طريق لهداية مستمرة، يقول ابن زمرك:
لقد علم الله أني امرؤ
أجرر ثوب العفاف القشيب
فكم غمض الدهر أجفانه
وفازت قداحي بوصل الحبيب
وقيل رقيبك في غفلة
فقلت أخاف الإله الرقيب
ولعل البعض يترك جزءاً من وقته للتفكير بهدوء وروية، وينظر إلى الناس من درجة علية، ويستنتج نتاج مخض عقولهم، ومجاني تجاربهم، لعله يسترشد إلى صواب، يزيل عنه ما جال في نفسه وأعياه فيه الجواب وسيرى أمراً عجاب. فالناس غارقة في وهم المنافسات والاقتتال للوصول إلى الغايات، بعيداً عن نيل المقصد وكرم المأمل والمراد، وقد يعيده تفكيره إلى تذكيره بأن ما في الإنسان من عيوب، وما يعتريه من زلل فإنما هو جبلة قد جبل عليها.
التفكير بعمق قد يقود الإنسان المدرك إلى أن كثيراً من الناس لم يطبق ما حملته له الكتب السماوية من قيم أخلاقية ومبادئ عامة، تجعله مختلفاً عن سائر المخلوقات الأخرى، إضافة إلى ما ابتدعه المفكرون والفلاسفة من بعض القيم الجميلة، وما توارثته الإنسانية عبر السنين ولهذا فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق”.
هذا الاقتتال هنا وهناك، ليس من مكارم الأخلاق، وهذه المماحكات والكذب والافتراء، واستغلال الدين، أو المبادئ للوصول إلى الغاية ليس من مكارم الأخلاق.
وهذا التنازع غير المحمود لغايات شخصية لا يليق بالإنسانية، فما بالك بأمة نبيها صلى الله عليه وسلم يقول: “إنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق”.
وليس من مكارم الأخلاق ما تعيشه الأمة الإسلامية في وقتنا الحاضر، ولعل غياب العدل أو تفسيره على ما تستهويه النفوس هو الذي قاد وسيقود إلى هذه اللوحة غير الجميلة التي يرسمها المسلمون بدمائهم وبآلات صنعت عند غيرهم. وكأن لغة الحوار والتفاهم غير موجودة في قاموسهم، والغالب يعلم أن المصالح الشخصية لها نصيب كبير في اتخاذ القرار، وليس البحث عن الصواب.
العالم أضحى يسيّره الإعلام، وأخذ الناس ينقلون ما يسمعون ويؤمنون به وقد يدفعهم إلى ما لا تحمد عقباه، وكأنهم قد أجروا عقولهم إلى غيرهم، فيقودونهم كما يشاؤون، وذكرني هذا الزمان بما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “الناس عالم، ومتعلم، ورعاع وراء كل ناعق” والناعقون قد كثروا ولا ريب، والرعاع حدث بهم ولا حرج، فعندما يرتفع الناس من الرعاع إلى درجة المتعلمين أو العلماء فهنالك يكون أثر الإعلام أقل، وقيادتهم عبره أصعب، لأنهم يفكرون فيما يملى عليهم، ويستقبلون معلوماتهم من أكثر من جانب، ولا يقتصرون على مصدر بعينه.
وفي هذا الشهر الفضيل تكثر مشاهدة التلفاز، فلعل الإنسان يستطيع أن يستخلص ما يشاء طبقاً لتفكيره وعقله، وليس عبر ما يحشر في ذهنه من خلال المسلسلات والبرامج والأخبار وغيرها من ينابيع الإعلام المتنوعة.