أصل الواقعة القديمة التي تعرض لنا حكاية الخصومة التي طالت من الوقت ما تجاوز المعقول، وأهدرت من الدماء والخسائر ما لا يرقى الى السبب الذي أشعل الحرب وأذكى الخصومة، ما جعل منها مضرب الامثال حين تـُفتقد الحكمة، وينأى العقل، وتصعد حمية المكاره والانتقام، وتسود الضغائن والشكوك بين سكان فرضت الجغرافيا وأحكام الحياة أن يكونوا متجاورين، متحدين، بقدر ما هم متنافرون ،لقد استعرت الحرب بين قبيلتي بكر وتغلب، وسبب استعارها ان وائل بن ربيعة التغلبي ويسمونه (كليب) سيّد قومه تكفل بأمر حماية حي وكلأ القبيلة، وكان إذا حمى أرضا لا يقربها أحد، وخرج يوما يتفقد مراعي إبله، فأبصر ناقة غريبة، فأنكرها وغضب على أصحابها، فرمى ضرعها وقتلها، وكانت تتبع امرأة اسمها (البسوس) وهي خالة (جساس) بن مرة البكري ويمت للقاتل بصلة المصاهرة، فلما رأت البسوس ناقتها، وقد نفقتْ، صاحت طلبا للنجدة والثأر، فحمي ابن الاخت جسّاس وامتشق سيفه فقتل كليبا، فاستعرت الحرب بين القبيلتين، بكر وتغلب، وامتدت لأربعين سنة تحت شعار “دم كليب” ،وتشاء الحكاية ان تتسع بالطول والعرض، ويمسك الخطباء والدعاة وهواة المعارك أمر التجييش، ولم يوقف مسلسل المهزلة الدامية نداءات جليلة بنت مرة، زوجة القتيل كليب، وأخت القاتل جساس، بوجوب التهدئة وتذكير المتحاربين بفجيعتها ،ثم يأتي دور الملفقين والأبطال المزيفين والمهووسين بطبول الحرب ويتفنن الرواة في تجهيز المسرح بالأحداث وقلب المدونات والسرد والتأويلات، ونقرأ الحادث في مرويات تجدد نفسها في كل حين، فحينما مرت إبل جساس بكليب وفيها ناقة البسوس عرجت الناقة لترعى في أرض كليب، فقال: ما هذه الناقة ؟ قالوا: هي لخالة جساس، فقال: أو بلغ بـ جساس - أن يجير عليّ بغير إذني ؟ فأمر برمي ضرعها بالسهام، فاختلط دم الناقة بلبنها ،ولت الناقة حتى بركت أمام البسوس، فلما رأتها صاحت: وا ذلاه ! فقال لها جساس، ابن الاخت: لك بناقتك ناقة أعظم منها، فأبت حتى زادها إلى عشر، ولدينا غير هذه وتلك حمية اخرى نشأت بجوار حكاية حرب البسوس، فقد استطردت الذكورية العدوانية في لعبة التجييش لتحول الحرب هذه المرة ضد النساء بشخص البسوس بوصفها هي (وليس كليب وجساس) المسبب بالحرب.. الرجال رمز الشهامة والنساء شرارة الفتنة، وتفيد رواية أخرى “عندما علمت البسوس بمقتل كليب على يد ابن اختها جساس ذهبت، وقامت بفتح بطن كليب، وأخذت كبده ، وأكلتها احتفاا بمقتله، حرب البسوس نتابعها، الآن، محظوظين، بين بكر وتغلب، على الشاشات الملونة.
ramadanalanezi@hotmail.comramadanjready @