يغلب على أخبار الجرائم والحوادث الأمنيَّة أنَّها تركز على أسلوب القبض على المجرمين بما أمكن من تفاصيل خطة الاحاطة بهم إلى حين وقوعهم في يد رجال الأمن، والتأكيد على أن مدير شرطة المنطقة أو المحافظة كان يتابع الخطة (بنفسه شخصيًا) مع تزيين الخبر بصورة حديثة وملونة له (شخصيًا)، أنا هنا لا استهزئ، بل إني أتعجب من أسلوب الطَّرح بهذه الصيغة، فإنَّ لم يتابع مدير الشرطة فمن سيتابع إذن؟!، ثمَّ لماذا كل هذه التفاصيل الدَّقيقَة في ثنايا الخبر وكأنهم يلقنون المجرمين خطط التطويق والقبض عليهم، وبعض الأخبار تتَضمَّن أسماء رجال أمن شاركوا في إِنْجاز المهمة وهذا ربَّما كان من باب التقدير لهم غير أنّه قد يعرضهم للمخاطر على أيدي عتاة المجرمين، ورؤسائهم يعرفون مبدأ الثَّواب والعقاب في إطار الواجب المهني، ومثل هذه الأخبار تصدر عبر قناتين في الغالب، الأولى هي أخبار العلاقات العامَّة ويتلقفها مراسلون ميدانيون عبر الفاكس والإيميل بعد توطيد العلاقات الشخصيَّة مع موظفي العلاقات بالمنشأة الأمنيَّة حتَّى إن المتابع يشعر أن المراسل الفلاني متخصص بالدائرة الفلانية وزميله للدائرة الأخرى، وينقل الخبر دون تعديلات تذكر بمعنى أن محرر (الديسك) قد مرّره بدوره دون تعديلات بالصياغة وكأن المجاملة هي التي تتحكم بالخبر ومضامينه حفاظًا على العلاقات بين المحرر والدائرة الأمنيَّة على حساب بناء الخبر بناءً صحيحًا يأخذ في الاعتبار الأولويات في الصياغة وأهمية كل عنصر مكوّن للخبر.
والمصدر الثاني هو المتحدث الأمني بالمنشأة أو الإدارة الأمنيَّة وهذا يكون في الغالب أفضل ويمنح المحرر(المتمرّس) حرية أكثر للتعامل مع الخبر، حيث إن المتحدث يقدم معلومات أمنيَّة ولا يقدم نصًا جامدًا، ويترك إعداد الخبر والتقرير لاحترافية المحرر ووسيلته الإعلامية، ومع ذلك فإنَّ اختيار المتحدث الأمني ليس بالمهمة السهلة فلا بد من معايير مؤهلة للاختيار الأمثل من أهمها ضلوعه بالشأن الإعلامي وإدراكه لمسئولياته كمتحدث وأنَّه أمام أعين وعدسات وآذان وقدرات إعلاميَّة داخليَّة وخارجية ترصَّد كل حرف وكلمة وحركة تصدر منه، فإنَّ لم يكن واسع الاطِّلاع والمدارك حاضر الذهن والخاطر، ويجيد دبلوماسية الإفلات من الأسئلة التي لا يرغب الاسهاب في الإجابة عليها أو حتَّى تجاوزها، فإنّه من الحكمة ألا يقبل بهذه المهمة ليس لئلا يحرج نفسه فقط، بل حتَّى لا يوقع إدارته فيما لا ترغبه أمام الرأي العام، لا سيما فيما يتعلّق بمعلومات لا يمكن تبريرها أو الاعتذار عنها، وكُلُّما كان المتحدث الأمني ضليعًا في مهنته عرف ما تريده وسائل الإعلام منه وتعرف هي كيف تتعامل معه بسلاسة وحميمية مهنية أقرب للواقع والشفافية والوضوح.
ومن هنا كان لا بد لِكُلِّ دائرة ومنشأة الاهتمام بهذا الجانب من فنون الإعلام تدريبًا وتثقيفًا وتهيئة مستمرة، ولم تستشعر كثير من الدوائر المعنية حرجًا من طلب التعاون مع المؤسسات الإعلاميَّة والصحفية في تدريب بعض كوادرها في فنون الصياغة والتحرير والتصوير وحتى الإخراج وما يسبقه من خطوات فنيَّة ينعكس أثرها على مطبوعاتها وبرامجها الأمنيَّة المرئية والمسموعة، ولا يتأتى ذلك إلا حينما تجيد المنشأة الأمنيَّة اختيار أفضل القدرات المستوعبة للهمِّ الإعلامي لإدارتها الإعلامية.
t@alialkhuzaim