القاهرة المدينة التي يزداد عدد سكانها في النهار ضعف ما هو عليه في الليل، إذ يتجاوز ملايينها العشرة في المساء إلى أكثر من سبعة عشر مليوناً في النهار بسبب قدوم الملايين من المحافظات المجاورة للعمل والعودة مساءاً، أمس الجمعة استقبلت أكثر من عشرين مليوناً من البشر رغم كل الاحترازات والحواجز بمنع التدفق للعاصمة الكبرى.. وهذه المرة قدمت الملايين أيضاً للعمل.. وهو عمل يختلف عما سبق.. فالعمال القادمون الجدد حضروا للقاهرة للعمل كمتظاهرين.. نعم، الشاحنات وحتى عربات القطارات والسيارات الخاصة أحضرت الأنصار، سواء المؤيدين للإخوان المسلمين أو لجبهة الثلاثين من يونيو ليعملوا متظاهرين مناصرين؛ بعضهم متحمس ومنحاز لتظاهر واعتصام جماعته، والبعض الآخر يتظاهر بأجر مع تأمين الإفطار..!
مهنة التظاهر لم تعد خافية ويستشعرها المصريون خاصة على وجوه القادمين من خارج القاهرة، وهي مهنة أخذت تنافس مهنة «البلطجة» وكلٍ له سعره؛ فالمتظاهر يحصل بالإضافة إلى وجبة الإفطار وسعر تذكرة القدوم والعودة مبلغاً هو أقل مما يحصل عليه «البلطجي» الذي عليه أن يتظاهر بصوته ويده، وما يتيسر له من أسلحة يزود بها من قبل من يستأجره.
وهكذا هجرت العمالة اليومية ميادين انتظار المقاولين، ومن يبحث عن عمالة لإنجاز عمل سريع، وارتفعت أسعار ما يتواجد من عمالة لم يسعفها الحظ بالتعاقد للانخراط بالمظاهرات، أما من أُبرم معه التعاقد للتظاهر فيقبض «المقسوم» وبعضهم يفضل البقاء «معتصماً» في مكان التظاهر موفراً أجرة العودة ولكي يؤكد ولاءه لمن يدفع له لا مانع لديه من تسليم بطاقته الوطنية ذات الرقم القومي للجهة المستأجرة، وهذا يفسر من قتلوا ولم تحدد هويتهم، لأن هوياتهم موجودة عند الذين أرسلوهم للتظاهر..!!
هذا هو الحال فيما يجري في ميادين التظاهر والاعتصام في القاهرة والمحافظات، وبالذات في القاهرة التي ارتفع عدد سكانها إلى أكثر من عشرين مليوناً، ربعهم أو أكثر متظاهرون أغلبهم يتظاهر بالأجر، والمناصرون الذين أحضروا من المحافظات يتظاهرون مقابل إطعامهم فطوراً وسحوراً وأصبحوا يشاركون سكان ميادين الاعتصام حدائقهم وساحات وقوف سياراتهم، وحتى مداخل بناياتهم، ينامون ويتظاهرون ويأكلون ويقضون حاجاتهم وعلى السكان أن يقبلوا بهؤلاء الضيوف الثقلاء ويتحملوا كل ما يقومون به، وإلا فإن «الخرطوش» أو «الشوم» يتكفل بإقناع السكان سواء في رابعة العدوية أو جوار ميدان التحرير..!!
jaser@al-jazirah.com.sa