سعادة رئيس تحرير جريدة «الجزيرة» الموقر
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
قرأت مقالاً جميلاً بعنوان: (آفات الجوالات) للأستاذ سلمان بن محمد العُمري في جريدة «الجزيرة» العدد 14862، وهذه العبارة (آفات الجوالات) عبارة قالها أحد أصحاب الفضيلة من أعضاء هيئة كبار العلماء، ردًّا على سؤال عن صحة حديث نبوي شريف تناقلته رسائل الجوالات وكان جواب الشيخ (هذا من آفات الجوالات)، فوفق الأستاذ سلمان العُمري لطرح هذا الموضوع طرحًا مميزًا مهمًا فأحببت المشاركة فيه وأن أدلي بدلوي لعلَّ الله أن ينفع بما أقول، إنَّه على كلّ شيء قدير، حيث سأتناول الموضوع من خلال ثلاث نقاط هي: الجوالات بين الخير والشر، وأين تقع المشكلة؟ والدور والمسؤولية.
أولاً- الجوالات بين الخير والشر:
عصر التكنولوجيا والتطوّر في التقنيَّة لا سيما في الاتِّصالات، لو أردت أن تطلقه من دون قيد أو شرط فأطلقه على عصرنا الحاضر كيفما شئت، حيث بلغت تقنيَّة الاتِّصالات أوجها، بل كما يقال الخافي أعظم، فكل يوم يظهر لنا تقنيَّة جديدة أو تطوّر جديد أو إضافة لا غنى عنها تزيد من رونق الحياة وأسرارها، والجوالات المتنقلة التي بين أيدينا في مقدمة تقنيَّة الاتِّصالات المُتطوِّرة لها حاجتها الملحة في العصر الحاضر جعلت من اكتشافها نعمة ومن انتشارها سببًا بقدر أسباب تنوّعها واختلاف تقنيتها، فكم من النَّاس عرفوا الحق من خلالها وتنورت بصائرهم بِكلِّ مفيد لما يحمَّله هذا الجوَّال من معلومات هائلة ضخمة عمَّ نفعها كل بيت، وكذلك في المقابل كم من النَّاس من ضل الطَّريق بسببها ويحسب أنّه على الحقِّ طريقه وما علم أنّه تجاوز الحق إلى الباطل وعمل بغير ما أمر ووقَّع بشر ما كان يحاذر، ولا شكَّ أنَّها سلاح ذو حدين كغيرها تحب منها تطورها ورفيع تقنيتها وتكره، فكما تستخدم في الخير فهي تستخدم في الشر وكل من بني آدم ميسر لما خلق له، فمن بني آدم من يسر الله له فعل الخير ومنهم من أبى إلا سلوك طريق الشر وإغواء النَّاس ما استطاع إلى ذلك سبيلاً وهذا وذاك من الله سبحانه ليبتليهم كما قال تعالى: {لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ..} الآية.
ثانيًّا: أين تقع المشكلة؟
المشكلة عندي لا تكمن في الجوَّال كجهاز اتِّصال واستقبال وكيفية استخدامه فقط، فكل فرد في المجتمع له حق الاستخدام وسوف يستخدمه على ما يحلو له شئت أم أبيت ولكن المشكلة تكمن في مستخدم هذا الجوَّال، هل هو محصن من الداخل كي لا يخترق، أو أنّه ضعيف سهل الاختراق؟
في حقيقة الأمر أن الحصانة ضعيفة لدى أغلب أفراد المجتمع، فهناك شريحة كبيرة من أفراد المجتمع تتقبل كل ما تقرأ وتسمع وتأخذه على أنّه الحق وتسعد عندما ترسله للآخرين، بل إنَّها تطالب بإرساله إلى أكبر عدد ممكن حبًّا في الخير وجهلاً بالخطأ. ولكن السُّؤال الذي يطرح نفسه: ماذا أعددنا من الخطط والبرامج لنواجه بها هذا التطوّر الهائل المتلاحق والتقنيَّة المتجدِّدة المُتطوِّرة المُتعدِّدة في الجوَّال الذي بين أيدينا، أولاً يفترض نحن المسلمين أصحاب رسالة كلفنا الله بإبلاغها للعالم أن ندخل مضمار التَّحدِّي والمنافسة فنقوم بإعداد البرامج المصححة المعالجة لنجعل من هذا الجوَّال المذهل هدية نقدمها بثوب جميل آخر نلبسه هذا الجهاز ليكون تقنيَّة آمنة بين أيدي أبنائنا وداعية سلام للبشرية جمعاء يستفيد منه كل الناس، فنحفظ بذلك ديننا وعقيدتنا أولاً، ثمَّ نقف سدًا منيعًا ونحافظ على أخلاقنا وقيمنا العريقة كي لا تخترق من قبل أعدائنا الذين ما فتئوا يكنون لنا العداء ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
ثالثًا: الدور والمسؤولية:
أرى أن الدور والمسؤولية تقع على عاتق كل فرد من أفراد المجتمع كل بحاله وجهده وما أعطاه الله من معرفة ودراية بمثل هذه التقنيَّة وما يتعلّق بها، كما أن المسؤولية تقع على عاتق الدعاة إلى الله تعالى حيث إنهَّم هم المسؤولون عن توعية المجتمع وأفراده عن كل ضرر يراد بهم، وما تحدثه هذه الآفة من خلل عظيم في عقيدة الفرد وسلوكه عظيم معلوم، فواجب الدعاة جميعًا أن يصدوا عن الدين وبيضته ما استطاعوا من خلال كلماتهم الوعظية ودروسهم العلميَّة ومحاضراتهم الثقافيَّة، وكذلك أيضًا تقع المسؤولية على الجهات الرسمية المعنية في هذا المجال أن تكون يدًا وصفًا واحدًا أمام هذه التقنيات المتجدِّدة المتلاحقة تسبر غورها وتدرس مغزاها وتعد لها الخطط لصدها محاولة التقليل من آثارها على أفراد المجتمع، ولا يخفى في الحقِّيقة ما ذكره الأستاذ سلمان بن محمد العُمري في مقالته الجميلة عن جهود بعض المواقع الإسلامية الإلكترونية وما قدَّمته لخدمة القرآن الكريم وعلومه وتفسيره والسنَّة النبويّة الشريفة وشروحها للحفاظ عليها وإعداد البرامج اللازمة لذلك ولكن يبقى الاحتياج قائمًا، فالدين بمجموعة في خطر إذا لم تتضافر جميع الجهود وترقى إلى المسؤولية المرجوة منها، فسوف تكون العاقبة سيِّئة والشر ينتشر والأمية تعود للمجتمع، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }.
عبدالرحمن بن عبد الله السعيد - مدير مركز الدعوة والإرشاد بمنطقة الرياض