بقيت أربع سنوات فقط كي نصل للعام 2017م، ونحتفل بمرور نصف قرن على إنشاء أول كلية طب بالمملكة عام 1967م، وهي كلية الطب البشري بجامعة الملك سعود، وفي الوقت ذاته، نبكي حزناً أو خجلاً، لأنّ نسبة الأطباء السعوديين في المستشفيات الحكومية لم تزد على 22% فقط من مجموع الأطباء المنتمين إلى جنسيات متنوّعة!
قد يبدو الرقم 13200 طبيب سعودي، رقماً زهيداً على مدى خمسين عاماً، وقد تبدو النسبة 22% فقط من مجموع الأطباء نسبة مخجلة، لكنها مأخوذة من الكتاب الإحصائي الذي أصدرته وزارة الصحة، يعني بالمعنى العريض للكلمة، هذه الأرقام يصعب التشكيك فيها إطلاقاً.
صحيح أننا ظللنا لعقود من السنوات نعتمد على ثلاث كليات للطب فحسب، ثم قفز الرقم مؤخراً إلى 26 كلية، بجانب خمس كليات أهلية، ولكن يظل الأمر مقلقاً، خاصة مع تزايد أعداد السكان، والحاجة إلى المزيد من المستشفيات الحكومية، وبالتالي الاضطرار إلى استقدام الكفاءات الطبية من الخارج، وأخيراً ستبقى النسبة الضئيلة للأطباء السعوديين مقارنة بعدد الأطباء الوافدين!.
وحتى لا تخدعنا الأرقام من جديد، فكما نحتفل بأنّ لدينا 26 كلية للطب، علينا أن نكفكف دموعنا حين نعلم أنّ إحدى هذه الكليات، تحديداً كلية الطب بجامعة الدمام، لم تقبل سوى 200 طالب من إجمالي أربعة آلاف طالب تقدموا للكلية، أي قبول 5% فقط من المتقدمين، أي قبول خمسة طلاب من كل مائة طالب تقدموا طلباً للدراسة!
صحيح أننا نتمنى أن يزداد عدد الأطباء السعوديين في المستشفيات الحكومية بشكل عاجل، لكننا بالطبع لن نقبل كفاءات طبية رديئة، ترتكب الأخطاء الطبية باستمرار، خاصة وأننا ممن يعاني من كثرة الأخطاء الطبية، ولسنا بحاجة إلى مزيد من الكوارث الطبية!
قد يسأل أحدكم لماذا لم يقبل سوى 5% فقط من المتقدمين، بينما تم استبعاد 95% ممن تقدموا إلى دراسة الطب، والإجابة السريعة والبديهية، هي أنّ مخرجات التعليم العام لدينا متأخرة بشكل كبير! بمعنى أنّ الأمر معقد كثيراً، وأنّ التركة ثقيلة جداً، لا ترتبط بعدد كليات الطب سابقاً فحسب، بل بأساسيات التعليم العام، وهذا الأمر يحتاج إلى عمل دؤوب ومخلص، كي يتم تطوير التعليم العام!
ولو أردنا استكمال الأسئلة كي نصل إلى فهم سبب تأخر الطب لدينا، وقلة عدد الأطباء السعوديين، الذي جاء بسبب رفض المتقدمين لدراسة الطب، وهو تردي التعليم العام، سنصل إلى سؤال مهم ومحوري: ماذا فعل برنامج خادم الحرمين الشريفين لتطوير التعليم العام؟ وماذا أنجز حتى الآن؟.
للأسف، رغم أننا ندّعي أننا في عصر الشفافية، إلاّ أننا لا نعرف ماذا حققت برامج التطوير لدينا، وماذا أنجزت حتى الآن، كتطوير التعليم العام، وتطوير القضاء، وهكذا.
لم نرَ شيئاً حتى اللحظة، وربما هناك بالفعل دراسات ومشروعات تسير ببطء، حتى لا نظلم هذه الجهات، لكننا لا نعرف شيئاً عنها، وكان من الطبيعي أن تبادر هذه الجهات للكشف عن خططها، وماذا تم فعلاً منها، بدلاً من هذه المباني الضخمة، والأموال الطائلة، التي تذهب هدراً، دونما فائدة تذكر!.