للمملكة مكانتها المتميزة في نفوس المسلمين في كل مكان مهما اختلفت مواقعهم في بقاع الأرض، بما خصها الله سبحانه وتعالى من شرف، وما منحها من نعم، فهذه مكة المكرمة مهبط الوحي، ومشرق نور الإسلام الذي ارتضاه الله لنا ديناً واختتم الله به الرسالات، وأخرج الناس من الظلمات إلى النور، وإلى أرضها يفد المسلمون من كل فج عميق لأداء فريضة الحج وأداء العمرة، كما يتجهون إلى المسجد الحرام قبلتهم في كل صلاة، وإليه يشدون الرحال، وإلى المدينة المنورة تهفو نفوس المسلمين وأرواحهم، وإلى مسجد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يشدون الرحال لنيل الأجر والثواب، وإزاء هذا الشرف - الذي لا يدانيه شرف وتناله هذه الأرض المباركة - تحرص المملكة - أعزها الله - على بذل ما في وسعها لخدمة الحجاج والمعتمرين، ومن يشدون الرحال إلى المسجد النبوي بالمدينة المنورة، وتعتبر خدمتهم شرفاً لها، وواجباً عليها يعتز به قادتها منذ أقام الملك المؤسس عبد العزيز - طيب الله ثراه - صرح هذا البنيان على أساس التوحيد وعلى نهج العقيدة الإسلامية السمحة، وأصبح اسم خادم الحرمين الشريفين هو الاسم المحبب لولي أمر هذا الوطن، ولما كان شرف خدمة الحرمين ليست كلمات تُقال بل هي أفعال تسبق الأقوال، فقد بذلت المملكة مما أفاء الله به عليها من نعم لتوفر للحجاج والمعتمرين كل سبل الراحة والطمأنينة، وشهدت المشاعر المقدسة من الخدمات ما يشهد به كل من يحل ضيفاً عليها، وشهد المسجد الحرام والمسجد النبوي التوسعات تلو التوسعات، حتى جاءت تلك التوسعات العملاقة في هذا العهد الزاهر الميمون لخادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز - يحفظه الله - وسمو ولي عهده الأمين الأمير سلمان بن عبد العزيز، وسخّرت المملكة كافة إمكاناتها لتواكب الأعداد المتزايدة من الحجاج والمعتمرين من داخل المملكة وخارجها، ولنا أن نتصور حجم الخدمات المطلوبة واللازمة لهم إذا وضعنا في الاعتبار أن إحصاءات حج العام الماضي 1433هـ تشير إلى أن العدد الإجمالي للحجاج قد زاد على ثلاثة ملايين ومائة وواحد وستين ألف حاج من بينهم أكثر من مليون وثلاثة وسبعين ألف حاج من داخل المملكة من المواطنين والمقيمين الذين يمثلون مائة وسبع جنسيات، وإلى من يقدر قيمة الإحصاء ويتقن فهم لغتها نقول إن الأعداد المتزايدة من الحجاج وكذلك المعتمرين تشير بوضوح إلى حجم المشروعات التي استوعبت هذه الوفود ووفرت لها منذ عامين أكثمن أربعة ملايين وستمائة ألف تأشيرة عمرة خلال شهور معدودة.
وامتداداً لجهود المملكة في تيسير أمر الحجاج والمعتمرين وتوفير الراحة والطمأنينة لهم جاء هذا المشروع العملاق الذي وجه به خادم الحرمين الشريفين والذي ستكون من بين ثماره توسعة المطاف لتصبح طاقته الاستيعابية مائة وخمسة آلاف طائف في الساعة بدلاً من حوالي ثمانية وأربعين ألف طائف هي طاقته الاستيعابية قبل التوسعة، كما تستوعب التوسعة بعد إنجاز هذا المشروع أكثر من مائة وثلاثين ألفاً في المسعى في الساعة الواحدة علاوة على ما تتيحه لذوي الاحتياجات الخاصة ولكبار السن من خدمات تتناسب وظروفهم، وما تضيفه من مساحة كبيرة تزيد على أربعمائة ألف متر مربع إلى المساحة الحالية للحرم المكي الشريف، بجانب التوسعات الضخمة التي يتم إنجازها في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإزاء هذا المشروع العملاق الذي ستعود آثاره الطيبة المرجوة على الضيوف الكرام كان قرار تخفيض نسبة الحجاج والمعتمرين هذا العام قراراً فرضته طبيعة تنفيذ المشروع، واستوجبته مراحل إنجازه التي تستهدف في الدرجة الأولى راحة الحجاج والمعتمرين وتقديم أفضل وأرقى الخدمات لهم بدرجة عالية من الجودة التي تحرص عليها المملكة وتسخر لها كافة إمكاناتها ومواردها، وتعتبر ذلك شرفاً وواجباً عليها.. وإن نظرة منصفة إلى تلك المبالغ الضخمة التي أنفقتها المملكة من مواردها لتحقيق هذه الأهداف السامية النبيلة كفيلة بأن تبرز بوضوح وجلاء أن بلادنا ولله الحمد لا تدخر وسعاً لأداء الرسالة التي شرفها الله بها لخدمة بيته العتيق ومسجد رسوله الكريم ومن يشدون إليهما الرحال من مختلف أصقاع العالم.
ولما كانت هذه الظروف الاستثنائية المؤقتة قد تطلبت تخفيض أعداد الحجاج والمعتمرين حتى تتمكن الدولة من تنفيذ هذا المشروع بنجاح لراحة الحجاج والمعتمرين في المستقبل، واستيعاب أعداد كبيرة منهم في السنوات القادمة، نقول إن هذه الظروف يقدرها المسؤولون ويستوعبها كثير من المنصفين، ولكن يبقى التساؤل هل تمكنت وسائل إعلامنا من إبراز هذه المشروعات العملاقة بما تستحقه من تعريف وإعلام للمسلمين بها في مختلف أنحاء العالم؟ وهل استطاعت وزارة الحج التنسيق مع وسائل إعلامنا وسفارات خادم الحرمين في الخارج للكشف عن حجم هذه المشروعات والتعريف بآثارها المستقبلية في التيسير على الحجاج والمعتمرين وتوفير راحتهم وسلامتهم، واستيعاب أعداد متزايدة منهم في السنوات القادمة، بما يحقق آمال من يتطلعون إلى الحج، ويتشوقون إلى شد الرحال.
وإذا كنا في غير حاجة إلى الإعلام عما نقوم به لأداء شرف هذه الخدمة إلا أن الظروف الاستثنائية المؤقتة تقتضي تنسيقاً بين الوزارات المسؤولة والمختصة، حتى نجد التجاوب المطلوب من المواطنين والمقيمين في الداخل، والفهم الواعي المدرك لحقيقة هذه الظروف من جموع المسلمين في الخارج، وأولئك الذين يحفظون للمملكة مشاعر الود والتقدير ويعرفون لها قدرها ومكانتها، وحرصها على توفير خدماتها الراقية المتميزة لكل من يفد إلى أرضها حاجاً أو معتمراً، فهلا تمكنت الجهات المسؤولة من القيام بهذا الدور بصورة تليق بشرف الخدمة وما يبذل فيها من جهود.
إن الإجابة لهذا التساؤل تتطلب تضافر الجهود وتنسيقها بين المعنيين بالأمر، والذين نثق أنهم يقفون على حجم الجهود المبذولة والأموال الضخمة التي تقدمها وتوفرها الدولة بسخاء، وهم على علم كامل واطلاع مستمر على خطط هذه المشروعات العملاقة ونتائجها المرجوة، وهم أدرى أيضاً بوظيفة الإعلام ودوره في إنصاف الحقيقة وإبرازها، فهل ستنتظر هذه المشروعات العملاقة - التي تخدم ملايين المسلمين - كثيراً من الوقت لتجد ما يناسبها من جهود إعلامية وتوعية وخطط تنسيقية بين المعنيين بها؟
وكيل الوزارة بوزارة الثقافة والإعلام سابقاً