ينص الحديث الشريف “ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة” على أبعاد سلوكية عميقة الأثر على حياة المسلم دنيا وآخرة، ويؤكد على أهمية التعامل الطيب مابين المسلمين وبعضهم البعض كقاعدة تربوية عند المواقف الطارئة بهدف المعالجة والتعديل السلوكي! وهذا الحديث النبوي لابد أن يعتمده كل من رأى في نفسه الرغبة في الالتحاق بالأجهزة الأمنية والإصلاحية، وكل من يمارس دور المُراقب ومتابعة وملاحقة المخالفات السلوكية بالذات في الأماكن العامة، ويتدخل حينها بالقبض على المخالفين وإحالتهم لأجهزة التوقيف! وأكثر الجهات التي أتمنى أن تضع حديث رسولنا الكريم شعاراً فوق مبناها الفخم هي “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” التي كان رجالها في سنوات مضت لايألون جهداً في مطاردة أبطال المعاكسات من الشباب سواء عند أبواب المراكز التجارية، أو في الطرقات العامة، أو عند أبواب الجامعات ومدارس البنات، ويتسارعون بعد القبض عليهم إلى إحالة أبطال هذه المعاكسات الطائشة إلى مراكز التوقيف ثم تتطور الإجراءات ليتم إحالتهم إلى الجهات الإصلاحية لإقرار الحكم عليهم بالسجن والجلد! ولا أنسى أحد المواقف التي مرت عليّ في سنوات مضت أثناء عملي كأخصائية اجتماعية في مؤسسة رعاية الفتيات عندما أحال أحد مراكز الهيئة مجموعة من الفتيات لتنفيذ عقوبة الجلد بحقهن في سويعات داخل المؤسسة، ثم أخذهن مرة أخرى لتسليمهن لأُسرهن وذلك عقاباً لهن على تجاوبهن لمعاكسات الشباب! ولا أعلم هنا من يُقرّ تلك العقوبات السريعة بدون معالجة اجتماعية مع الأهالي! حيث كان كثير من منسوبي الهيئة يتنافسون على القبض على هؤلاء المراهقات والمراهقين وإحالتهم للمؤسسات الإصلاحية لإقرار العقوبات المختلفة عليهم بهدف تأديبهم، بالرغم أن الأحكام المُطبقة بحقهم لاتتجاوز الأشهر البسيطة والجلد الذي لا أعلم لماذا يتم إقراره كعقوبة تأديبية بحق المراهقين المعاكسين؟! وهذا مما تسبب في تكدس تلك المؤسسات وانشغالها بقضايا بالإمكان معالجتها وإصلاح أوضاع حالاتها في مراكز التوقيف التي ينقصها الكثير من الجوانب الاجتماعية لتحقق الأهداف المرجوة منها! ولكن بعد سنوات طويلة تطورت بعض إجراءات هذا الجهاز الإصلاحي الحساس ولله الحمد، ولذلك قلت تلك النوعية من القضايا التي أشغلت الجهات الإصلاحية بما هو أهم منها أمنياً وأخلاقياً! ولكن للأسف الشديد ذلك التطور مازال ينقصه الخطط الإصلاحية ذات البعد النفي والاجتماعي لتلك القضايا التي تحتاج إلى مصلحين اجتماعيين وليس إلى رجال مطاردة وقبض وتوقيف حتى لاتتطور إلى أبعد من ذلك أخلاقياً وأمنياً! كمثال : عندما يتم القبض على شاب برفقة فتاة في أحد الأماكن العامة كمطعم أو مركز تسوق. ما هو الأفضل في هذه الحالة الستر عليهما واتخاذ الإجراءات السريعة لتسليمهما لأسرهما في ستر؟ أو إحالتهما إلى الجهات العقابية ودمجهما مع الحالات ذات السوابق والقضايا الإجرامية؟! لأنه في هذه الحالات لابد من الستر ومنحهم فرصة للصلاح بدلاً من التشهير بهم وإهانتهم والتلفظ عليهم بألفاظ نابية واستخدام أسوأ الأساليب التوجيهية بهدف الردع والنصح لهم! لكن تلك الأساليب تولّد بالنفس مشاعراً عدوانية وناقمة بحق الذات والمجتمع! فالكثير من الحالات السلوكية بدايتها خطأ عابر وطائش ولأول مرة ولايقصدون بها المجاهرة والعصيان، ولكن بسبب التشهير والتعامل الصارم معها من أول مرة تتطور لاحقاً إلى حالات أخلاقية وجنائية متمرسة في انحرافاتها التي تصبح وباءً على نفسها وأُسرها والمجتمع!
moudyahrani@ تويتر