يمر علينا رمضان الثالث ونحن نعايش توترات «المرحلة الانتقالية» في كثير من الدول العربية، وتتصاعد الأحداث والمستجدات الكئيبة، ويترك الناس أعمالهم لينقسموا في الدولة الواحدة إلى فريقين يصطرعان في الشوارع حد الدموية القاتلة والتفجيرات الهادمة لمدن ملغية أمن الأفراد والأوطان.
محزن أن نرى طموحات وأسئلة البسطاء عن الهوية الأمثل تختلط بأطماع المتصدرين لتسيد جماهير الشوارع. تطفح المفاضلات بين الشعارات، وتثار أسئلة مصيرية وشديدة الجدية حول تداعيات الدعوات لتغيير الأنظمة والدساتير واتهامات التحزب والتآمر والتخوين. كل هذا يثير أسئلة افتراضية تستنفر ذهني في هذه المرحلة المضطربة من تاريخنا العربي والإسلامي لتتلمس الوعي العام: هل نحن أمة لديها حلم عام؟ هل نطبق مثاليات ديننا أم تستغلها فئات منا كمرجع ومظلة لطموحات سياسية بحتة؟ طرحت سؤالاً بسيطاً في تويتر للمنافحين عن حلم «الأمة» هل يقبلون بخليفة لا يتكلم العربية؟ ولم أستغرب أن يتفادى المحاورون الإجابة!
كم نحن بحاجة إلى رصد دقيق لتوجهات الرأي العام ومستويات الوعي الفردي بموقعنا الخاص على خارطة اليوم. نحن أمة مثل غيرها من خلق الله، لدى المنتمين إليها أحلام فئوية وأحلام فردية، يدعي كل من يحملها أنه يمثل حلم الجميع ويتكلم بصيغة الجمع المفخم «نحن». والأضمن لمستقبلنا أن نركز على تقوية مكونات «الأمة» دولة دولة قبل أن نفكر في حرقها دولة دولة حالمين بأن يخرج من رمادها مارد افتراضي!
وليتنا كأفراد نتفق على بديهية أساسية لتحقيق حلم واحد، هو أن نحقق لأطفالنا مستقبلاً أفضل مما نعيشه اليوم، ونضمن لهم فرصاً للحياة ضمن المجتمع العالمي الكبير أكرم مما انتهينا إليه اليوم موصومين بالتخلف والعنف والعدوانية وكراهية الغير، بما في ذلك الأقربين.
ما هي استراتيجيات تحقيق هذا الحلم؟!
لنلتق عند اتفاق على تفاصيل حلم واحد، وستأتي تفاصيل الاستراتيجية بعد ذلك؛ إذ نتفق على ضرورة أن نعيش معاً في مجتمع يتقبل كل فرد فيه كل الآخرين ما لم يكونوا يسعون لإيذاء أو إلغاء الآخرين. والمنطلق إلى ذلك أن نؤمن بأن يداً واحدة لا تصفق، وألا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى, أن أكرمكم عند الله أتقاكم, أفضلكم لبناء الأمة أقدركم على البناء وليس الهدم, ولا علاقة لذلك بالجنس أو الانتماء المحلي الصغير أو القبلي مهما امتد. ولا علاقة بهدم الدولة القائمة وبعث خلافة تخطط لها فئة واهمة.
وبعد ذلك حين نتأمل مكونات كل دولة من الدول نتساءل: هل الآليات القائمة كمؤسسات للدولة، كقطاعات إنتاج وفكر، كافية لتحقيق الحلم العام؟
مؤسسات كل دولة في حاجة لتنظيم وهيكلة واعية لكي تحقق ما يفترض أنها تسعى إليه. وبدون ذلك فكل تصحيح أو تصليح أو ترشيد لن يغير إلا الأمور القشورية فقط إن ظل الجوهر معتلاً أو غير صالح لزماننا الحاضر ومتطلباته.
ما الذي ينقص هذه الآليات؟! ينقصها أن تواكب معطيات اليوم من تقدم تقني وتوسع معلوماتي، إضافة إلى ضرورة الاعتراف بضغوط العولمة وبناء القدرة على الاستفادة من إيجابياتها ومقاومة سلبياتها وسلبيات تراكمات بعض جوانب منطلق «خصوصيتنا» التي أصبحت قيوداً ضد التقدم والتطور.
فما هو (جهاز القياس) الذي يمكن من خلاله التعرف على حجم ما تم إنجازه على الحلم العام للعالم الإسلامي؟
جهاز القياس هو التوصل إلى الحقيقة في كل دولة على حدة، وهو في منطلقه بسيط، لا يتعدى إتاحة مجال الحوار الحي بما في ذلك حرية السؤال والإجابة والحماية لكل الآراء وإسماعها للآخرين. أن تسأل المواطن: هل هو سعيد بما تحقق في العقود الثلاثة الأخيرة؟ وكيف يرى مستقبل أطفاله في وطنه؟ وعداً أم مجازفة كبيرة؟ وهل يرغب الشباب من المتعلمين والطموحين في البقاء في ساحة الكفاح بحثاً عن وظيفة أم سينفرون بأحلامهم إلى الخارج؟ وهل النساء مقتنعات بأسلوب تعامل المجتمع والأسرة معهن؟ ومدى رضاهن عن إجراءات التعامل في شؤونهن مع الأجهزة الرسمية من التعليم والصحة حتى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية والعدل والقضاء؟ هل هن راضيات عن مدى توافر الفرص المتاحة لهن لتحقيق طموحاتهن. ولنسأل الجميع: هل تحركنا إلى الأمام أم إلى الوراء خلال العقود الثلاثة الماضية؟
إجابات المواطنين - إن ضمنوا الحماية ممن يختلفون عنهم - رأياً ستدل على مدى ما أنجزناه سلباً أم إيجاباً. عندها فقط نفهم ماذا يجب أن نفعل ليتحقق حلم المواطن والمواطنة عبر صقل تفاصيل الدولة بتطبيق مثاليات الأمة.