إن كنت تملك حساباً في الواتس آب وتعتبر فرداً كامل العضوية في أسرة هذا التطبيق الاجتماعي الذي أطل علينا منذ أعوام قليلة واستطاع خلال فترة وجيزة أن يكتسح المجتمع ويوسع من دائرة مستخدميه، فقد مرّ عليك يوماً إحدى تلك الرسائل الغريبة العجيبة المتداولة في عالم الواتس أب، ذلك العالم الذي يحمل بين خباياه الجيد والرديء والغث والسمين، حيث يستخدم البعض هذا التطبيق للتواصل الجميل المتزن مع الآخرين ممن أبعدتهم المسافات وأشغلتهم الظروف، أو عبر تكوين «قروبات» أسرية أو اجتماعية مع «شلة» الاستراحة أو زملاء العمل للبقاء على تواصل ذي طابع بسيط وغير متكلَّف بعيداً عن رسميات الحياة.
وفي الجانب الآخر من الصورة فإن للواتس آب وجهاً آخر بشعاً وكئيباً جعل كثيراً من المستخدمين يفضّلون حذفه عن بكرة أبيه من هواتفهم، حين ضاقوا ذرعا ًبتلك الرسائل الساذجة السفيهة التي تصلهم من مستخدمين لا تربطهم بهم علاقة وثيقة ولا يملكون من «الميانة» ما يجعلهم ينصبون أنفسهم أوصياء وناصحين لهم بمعدل ثلاثة إلى أربع نصائح يومياً، مرسلة في قالب رسالة ودية أو قصة وعظية أو مقطع فيديو لتائب جديد، ما جعل الناس يأخذون موقفاً محتدماً من النصح والوعظ الذي يمارس عليهم عبر كل من «هبَّ ودبَّ» حتى وإن لم يكن هو يتمثّل به بأخلاقياته وخصاله مع الناس.
كما أن البعض هجر مواقع التواصل الاجتماعي واعتزلها بعد أن ملّ وأصيب بكافة أشكال الصداع والغثيان من قدرة الناس الهائلة على اختراع الشائعات أولاً ومن ثم تداولها ونشرها كوكالة أنباء عاجلة، فتجد من يرسل تلك الشائعات -عارفاً أو جاهلاً- على مدار الساعة دون كلل أو ملل وكأن هناك من يدفع له راتباً يومياً جزاء مجهوده المستمر لنشر خبر عزل فلان وتعيين علان، ورفع سعر الطماطم والدجاج وخفض سعر البنزين والغاز، ما يجعل المتلقي المسكين يُصاب بحالة توتر وتخبط أمام هذا الطوفان الجارف من الشائعات والأخبار الكاذبة التي تفتقد إلى كثير من المصداقية والمنطق!
ومن مصائب الواتس أب وعلله الأخطر برأيي، والتي ما زالت حاضرة وفارضة نفسها بقوة خصوصاً في تلك الأيام العشر المباركة من شهر رمضان، هي الخزعبلات والقصص الدينية الخرافية من أحاديث ضعيفة وحكايات لا تمت للمنطق البشري بصلة عن الصحابة رضوان الله عليهم أو السلف، ما يجعل العقل البشري يُصاب بحالة تعجب واستغراب من قدرة البشر على التأليف والتخيل ومن ثم التصديق المطلق والنشر بنوايا مختلفة، منها وعلى رأسها نية الإصلاح و(الأجر) وأضع تحت الكلمة الأخيرة مئة خط، حيث ستجد الرسالة المرسلة إليك - والتي لا يهم المرسل أحياناً منطقية مضمونها وفحواها - مذيّلة بـ انشر للأجر والثواب ولا تدع الشيطان يغلبك في محاولة ساذجة منه لفرض النشر عليك بالقوة!
ما هذا يا بشر؟ متى كان الإسلام دين التخويف والترهيب الجهل؟ أليس من الأولى أن نتحرّى الدقة ونفكر ألف مرة قبل أن نرسل رسالة قد نأثم عليها بدل أن نُؤجر خصوصاً إذا كانت تحمل قصصاً خيالية وفوق العادية عن الصحابة والسلف الصالح قد تشوّه صورة الإسلام كدين يحتضن الخزعبلات والتفاهات وديننا من ذلك براء؟ لماذا أصبح البعض كالببغاوات الحمقى التي تردد الكلام وتعيد إرساله دون الوعي الكافي لتقييم مضمونه؟
أخيراً لا يمكن لي أن أتحدث عن الواتس آب دون أن أعرج على موضوع التجسس والتطفّل و»اللقافة» التي يمارسها البعض من خلال متابعة وقت دخول الآخرين إلى التطبيق وبالتالي الغضب والضيق إن لم يتم الرد على الرسائل المرسلة وقت الدخول! ما سبب عدداً من المشاكل والخصومات بين الأزواج والأصدقاء والأقارب! فيا ناس كفانا تطرفاً في استخداماتنا.. ولنتوقف عن فرز عقدنا ومشاكلنا وطاقتنا السلبية المكدسة على الآخرين عبر رسائل تعري تفكيرنا ومنطقنا الذي لو استغللنا وقتنا في تطويره وتهذيبه بدل تضييعه في نشر الرسائل وتداولها لأصبحنا بألف خير ولله من وراء القصد.
نبض الضمير:
«كلما زاد جهل أهل القرية، كانوا أكثر تصديقا ً للخرافات»
Twitter:@lubnaalkhamis