|
من فضائل شهر الصيام، أنه يعمق اتصال المرء بكتاب الله العظيم، حينما يقبل معظمنا على تلاوة القرآن الكريم، وجميعنا يلحظ التنافس في ختمه غير مرة بين الناس، ولا غرو أن يكون القرآن الكريم هو شغل المسلم الصائم في أغلب ساعات رمضان، فرمضان شهر القرآن والله سبحانه قال في محكم كتابه «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ»، وإن كان الهدف الأسمى من قراءة القرآن، تدّبر معانيه وفهمه وكسب الأجر والثواب، فهذا ابن عباس يقول: «لئن أقرأ سورة من القرآن وأرتلها وأتدبرها أحب إليّ من أن أقرأ القرآن كله»، فالقرآن الكريم يأتي على رأس قائمة اهتمامات الإنسان بالقراءة، لكن هناك من يعشق القراءة في رمضان ويجد أنه يقدم له فرصة بأوقاته الطويلة، نهاراً وليلاً، ليقرأ كتباً أكثر، والقراءة لمن عشقها، وتعلق بها، يعلم بأنها تصنع له عالماً رحباً من المعرفة والثقافة، وأجدني لزاماً أستعيد مقولة العقاد «لست أهوى القراءة لأكتب، ولا أهوى القراءة لأزداد عمراً في تقدير الحساب، وإنما أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة، وحياة واحدة لا تكفيني، والقراءة -دون غيرها- هي التي تعطيني أكثر من حياة، لأنها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق» وقد صدق العقاد في مقولته تلك، فالقراءة تجعل المرء ينتقل بين حدائق المعرفة، خاصة حينما يعرف ماذا يقرأ، وكيف يقرأ، ولمن يقرأ، فالكتاب أعظم صديق كما قال المتنبي «أعزّ مكان في الدنى سرج سابح.. وخير جليس في الزمان كتاب» وأنا أعرف أن بعض عشاق القراءة يقرأ فيه أكثر مما يقرأ في غيره، وإن كان من شيء آسف لذكره لكنه واقع، نسبة دقائق الفرد العربي المخصصة للقراءة، مقابل ساعات أضعاف مضاعفة للفرد في الغرب، تعطي مؤشرا سريعا إلى ضآلة وضعف العرب في القراءة والإقبال عليها، وأجيال اليوم يعانون من عدم الرغبة في القراءة،فقد سرقت تفكيرهم، وأوقاتهم، وجهدهم، أجهزة التقنية المليئة بالألعاب والمقاطع التي قد لا تفيد بقدر ما قد يخسرون شيئا من هويتهم، التي ندعو الله ألا تذوب وسط الغزو التقني والفضائي والذي لا يمكن حجبه بقدر ما نحن بحاجة إلى تدريب أولادنا كيف يأخذون السمين وما ينفعهم، ويدعّون الغث الذي لا فائدة منه.
محمد بن إبراهيم فايع
mfaya11@hotmail.com