المسلمون في رمضان تتباين أحوالهم تبعا لتباين نياتهم ومدى إخلاصهم في العبادة فمنهم مقل ومهم مقتصد ومنهم مستكثر.
أما المقلون فأشدهم خطرًا الظالمون لأنفسهم الذين رمضان بالنسبة لهم عادة وليس عبادة لا يستشعر بروحانية الصيام وإنما يمسك عن المفطرات الحسية من طلوع الفجر حتى غروب الشمس قد نام ساعات النهار وأخر الصلوات عن أوقاتها وسهر ليله على اللهو والتسوق ليس له حظ من صلاة التراويح ولا التهجد ولا تلاوة القرآن ينتظر خروج الشهر بفارغ الصبر كالضيف الثقيل عليه، حظه من صيامه الجوع والعطش، لا يترخص برخص العبادة في حال السفر والمرض لأنه لم يذق لذة العبادة، صام عن المفطرات الحسية ولم يصم عن المفطرات المعنوية كالغيبة والنميمة والفسوق والجدال والخصومة والغل والحقد والحسد، فمن هذه حاله فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.
ومن الظالمين لأنفسهم العصاة الذين ما إن ينتهي رمضان حتى يعودوا إلى غيهم وضلالهم فبئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان.
أما المقتصد: فهو الذي صام رمضان إيماناً واحتساباً فعل الأوامر واجتنب النواهي، لكنه لم يتزود من العمل الصالح في رمضان شهر البر والإحسان، فعل الواجب واقتصر عليه. ولم يفعل شيئاً من المستحبات والمسنونات، فهو من أصحاب اليمين بإذن الله.
أما المستكثر: فهو السابق إلى الخيرات الذي صام رمضان إيماناً واحتساباً وفعل الواجبات والمسنونات والمستحبات كالصدقة والبذل في سبيل الله والعطف على الفقراء والمساكين وصلة الرحم وإفطار صائم وتلاوة القرآن والصلاة مع الإمام حتى ينصرف وتزود بزاد التقوى، فهو من المقربين بإذن الله المتنافسين في عمل الخير وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ .
وفي هذا المعنى نتذكر قول الله تعالى ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ ونتذكر قول الله تعالى وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وقوله تعالى فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ .
نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا من السابقين إلى الخيرات، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
dr-alhomoud@hotmail.comالاستاذ بالمعهد العالي للقضاء وعضو مجلس الامناء في الجامعة الاسلامية العالمية في بنغلادش