يبدو لي أن الحلم أو بالأصح «الجاثوم» الوحدوي الذي طالما جثم على العقل الباطني العربي منذ نصف قرن أو أكثر لم يزل جاثما، ولم يسمح لهم باليقظة والنهوض ونفض الكوابيس والسير في ركب المتغيرات الأيدلوجية، واعتبار أن من بقي يراوح أيدلوجيا في مكانه منذ نصف قرن يعتبر متخلفاً عن ركب التقدم والوحدة أو فكر الوحدوية التي كانت تصنف قبلا بأنها نمط من أنماط التقدمية التي تجمع الشعوب وتجعلها تتشارك بالثروات المتنوعة والعنصر البشري والاقتصاد الموحد والسياسة الخارجية، لتتشكل قوة في وجه الشعوب أو القوميات الأخرى بفضل التعاضد والتماسك والمصير المشترك.
صحيح أن الوحدات تلك نجحت في بعض البلدان (أمريكا مثلاً) ولم تنجح في بلدان (الاتحاد السوفياتي) ومجموعة دول البلقان كمثل آخر، وقد أدت صرامة الحكم الوحدوي في تخلخل وتململ الشعوب وبالتالي انفلاش، لتعود إلى ما كانت عليه قبل تلك الوحدات والرجوع إلى إيقاظ الثارات التاريخية والدينية التي نتجت عنها حروب كان وقودها الإنسان ما غيره، ويبدو أن العرب لم يتعلموا من تلك الوحدات التي انجلت عن وبال واهم اجتاح تلك الشعوب بالنار والجوع والتشريد والانقسامات من جديد، لذا فإن الأمة العربية اليوم التي لم تتوحد أصلاً، أقطارها تتشظى بانقسامات طائفية وأثنية كحكاية الأكراد مثلاً في العراق وفي سورية والسنة والشيعة أيضاً في كلا البلدين، وكذلك ما جاءت به ثورات الربيع العربي اللامباركة من انقسامات سياسية أدت إلى صراعات دموية لا قبل للإنسان العربي المطحون والخارج تواً من رحم الحكم الفردي بها وانقلاب الإنسان العربي فيها على نفسه من جديد بفعل الأحزاب اللامباركة أيضاً هي الأخرى.
يبقى القول أخيراً إن الحل الأجدى للعرب هو الحكم الذاتي لكل فريق من المتنازعين؛ لحقن دماء المواطن العربي المسكين، بلا وحدة بلا بطيخ لأمة ضحكت من جهلها الأمم.